من السهل الحديث عن اليمن ما بعد الحرب، فكافة الأطراف الإقليمية تتفق على التهدئة، بينما يصبح الأمر أكثر تعقيداً عند الحديث عن التسوية السياسية.
أكثر السيناريوهات التي تدور بين المهتمين في الشأن اليمني، حول مستقبل التسوية السياسية في اليمن، تختصر فيمن يؤمن في البقاء تحت مظلة الوحدة، أو من أدرك أن العودة إلى حل الدولتين، والذي كان سارياً قبل الوحدة، هو الحل الأمثل لمستقبل الشعب اليمني بشماله وجنوبه، ما يجعل المسارات السلمية لمستقبل التسوية مهددة بالجمود.
فطرفا الصراع الرئيسان على النقيض، والواقعية مطلوبة عند وضع استراتيجيات المستقبل، فأهم الأطراف الداخلية نفوذاً على الأرض في الشمال والجنوب، هم الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي.
يتبنى الحوثيون خطاب الوحدة ولو شكلياً، فالحقيقة أن الحوثي الذي استولى على السلطة غدراً، بعيد كل البعد عن الوحدة، فالمليشيات بالوكالة لا تعرف قيم الدولة الحديثة، بينما على الطرف الآخر، يبقى هدف أبناء الجنوب المتمثلين في المجلس الانتقالي الجنوبي واضحاً نحو استعادة الدولة، وهو حق يطالب به الجنوبيون منذ سنوات عديدة، ولم ترتبط بعمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل وحسب، كما يروج البعض، وكأنها مطالبات حديثة العهد.
ومن الطبيعي أن الحوثي لن يقبل بفكرة فك الارتباط بين الشمال والجنوب، فبذلك سيتخلى عن النفوذ على المناطق الحيوية، المرتبطة بإمدادات الطاقة، والمطلة على باب المندب، وهي جميعها تحت سيطرة الجنوبيين.
ومن زاوية سياسية أخرى، لا يمكن فصل الموقف الحوثي - الإيراني بشأن اليمن، فتطابق الخطاب حول موضوع الوحدة، يؤكد أن إيران تتحكم بمسار المفاوضات التي يجريها الحوثيون، فاستراتيجية الحوثي تعتمد على ابتزاز المجتمع الدولي، والمنطقة الباحثة عن الاستقرار والازدهار، فالحوثي يهدد بالعودة إلى التصعيد، إن لم يحصل على مطالبه كاملة، وأهمها برأيي استعادة السيطرة على منابع النفط، وهي مطالب من الصعب جدا تحقيقها، بينما يشدد الانتقالي الجنوبي على رفض سيناريوهات السلام، إن لم تتضمن ملف عودة دولة الجنوب، كون الجنوبيين قد استطاعوا تحرير أراضيهم من احتلال الحوثي، وتمكنوا من تحقيق أرضية شعبية جامعة لشعب الجنوب، وحضور سياسي بارز على مختلف الأصعدة، ما أعاد القضية الجنوبية إلى النور.
التساؤلات عديدة حول النوايا الحوثية تجاه السلام، وإن كانت صادقة أم تنطلق من التوجيهات الإيرانية، كما هو الحال حول جدية واشنطن في حماية مصالحها في المنطقة، وهي بدورها تكتفي بعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية على مزودي أجزاء الطائرات المسيرة الإيرانية، دون أي تأثير على عمليات الحوثيين الذين استعرضوا عتادهم العسكري مؤخراً في صنعاء.
والأحداث الحالية كافية لأن تقوم واشنطن بدورها في المنطقة، إن كانت فعلا ضامنة لأمنها واستقرارها، فبينما يدور الحديث حول مصداقية اتفاقية الدفاع مع البحرين، واحتمالية حصول اتفاقيات أمريكية خليجية مماثلة على الصعيد الثنائي، يستهدف الحوثيون موقعا في الحد الجنوبي، مما أدى إلى استشهاد عدد من القوات البحرينية، في أول اعتداء حوثي بعد شهور من التهدئة، مما يضع وقف إطلاق النار الذي انتهت مدته منذ نحو عام في موضع تساؤل.
والسؤال الأهم، ماذا كانت ردة الفعل الأمريكية، بخلاف تصريحات المسؤولين ومكالمة هاتفية من وزير الدفاع الأمريكي لتقديم التعازي، دون أي إجراء دفاعي رادع، يتماشى مع اتفاقية الدفاع مع البحرين؟ والتي تروج لها واشنطن لطمأنة حلفائها في دول الخليج.
ستستمر الأسئلة حول انحسار الاهتمام الأمريكي في المنطقة، خصوصا في فترة إدارة بايدن خلال العامين الماضيين، التي يبدو أنها وجّهت تركيزها على خلافها مع الصين، وصراع الحرب الروسية الأوكرانية، ما يجعل الشكوك حول التزام واشنطن بأمن المنطقة مستمرة، بعد ترددها في التعامل مع هجمات الحوثي الإرهابية، وتراجعها عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، ما جعل قدرتها على احتواء التقدم النووي الإيراني في موضع شك.
المنطقة العربية تحتاج للسلام، من أجل إحلال الاستقرار، والعمل على مشاريع التنمية الطموحة، فدول المنطقة المحورية تتجه لتنوع اقتصاداتها، ولكن لا بد من وضع حل عادل ومستدام للأزمة في اليمن، مع الأخذ بالاعتبار كافة الأطراف المؤثرة، على ألا يعطى الحوثي الفرصة للتسلق على مفاوضات السلام، ليؤسس جمهورية جديدة بمرشد أعلى، تحت غطاء (إعادة هيكلة الدولة)، لتتحول اليمن إلى نموذج يبتز أمن المنطقة متى ما شاء!.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة