الطرقات في زمن الحوثي.. "مصائد موت" تجهض عيد اليمن
رأسه الصغير لم يستوعب كيف استطاع النجاة لأكثر من 7 ساعات وهو متشبث خلف سيارة أقلته بين الضفتين الشرقية والجنوبية لتعز.
عاصفة من الأسئلة تدافعت مرة واحدة في عقل موفق محمد؛ الطفل اليمني الذي لم يتجاوز عمره 7 سنوات، حيث لا يسعه حتى الآن استيعاب كيف نجا من المنحدر المميت في بلدة جبال "الأقروض"، الشريان البديل الذي شيده المدنيون لكسر حصار تعز الخانق الذي يفرضه الحوثيون منذ 7 أعوام.
واضطر موفق مع أطفال آخرين للتكدس بين البضائع وحقائب المسافرين بصندوق السيارة الخلفي، ولحسن حظهم أنه مفتوح على بقية العربة، حيث يمكنه الاطمئنان من حين لآخر على والدته المريضة التي رافقها من صنعاء إلى مدينة الحوبان شرقي تعز.
ففي داخل السيارة رباعية الدفع، لم يكن هناك سوى مقعد وحيد، ومع ذلك تظل هذه العربة وسيلة النقل الوحيدة للوصول إلى مفترق طرق يدعى "نجد النشمة" في الضفة الجنوبية من المحافظة ذات الكثافة السكانية.
وقال الطفل اليمني لـ"العين الإخبارية"، إنه ظل لساعات طوال في الطريق الضيق الذي تكدست فيه آلاف المركبات كما يحدث عادة عند الأعياد، حيث كان الناس في سباق مع الزمن للوصول إلى عائلاتهم وذويهم في مدينة تعز وأريافها المحاصرة لقضاء المناسبة.
وتغلق مليشيات الحوثي الإرهابية كافة الطرق الرئيسية إلى مدينة تعز، ورغم جهود أممية استمرت منذ مايو/ أيار الماضي لفتح أحد المعابر الحيوية، إلا أن الانقلابيين رفضوا بعد جولتين من المفاوضات فتح أي طرق بموجب الهدنة الإنسانية ما وضع التهدئة الأممية على المحك.
ووثق ناشطون تحت وسم "هدنه وعيد لليمن ولتعز الحصار"، صور صادمة لأطفال ينامون على دراجات نارية ومسن يفترش قارعة الطريق بانتظار مرور المركبات، وآخر خضع لعملية قلب مفتوح في صنعاء ظل عالقا لساعات طويلة، كجزء من مآسي لا تنتهي لسكان تعز في المعابر.
مآتم جماعي
مآسي تعز التي تحول فيها العيد إلى محن لا تنتهي بدءا من اختناق الطرقات بالمسافرين وانتهاء بالحوادث في المنحدرات الجبلية التي خلفت كارثة على الأسر اليمنية، حيث تحول العيد في صنعاء إلى مآتم جماعية.
ففي قرية بني منصور بمديرية الحيمة الخارجية غربي صنعاء، قالت مصادر محلية لـ"العين الإخبارية"، إن 10 أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب آخرون بعد انزلاق سيارة داخلها ركاب مسافرين من منحدر جبلي شاهق.
وبحسب المصادر، فإن 6 ركاب أصيبوا ونجا آخرون بأعجوبة من السيارة بعد انزلاقها وهي تقلهم إلى قراهم الريفية في المديرية لقضاء العيد مع أسرهم.
ولم تتدخل مليشيات الحوثي لانتشال الضحايا وإسعافهم، وذلك رغم أن تداعيات حربها المدمرة تعد السبب الرئيسي لتدمير الجسور وقطع الطرقات واعتماد المسافرين ركوب سيارت تقل ضعف حمولتها.
ولا يعتبر حادث "بني منصور" في الحيمة سوى شاهد من بين عشرات على ما يتعرض له المسافرون في صنعاء إثر تهالك الطرقات وعدم تأهيلها من قبل مليشيات الحوثي منذ اجتياحها العاصمة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
إب.. مصائد الموت
في الخطوط الحيوية التي تصل إلى محافظة إب وتربط تعز والحديدة وصنعاء وذمار، قال سكان محليون لـ"العين الإخبارية"، إنهم قضوا ساعات طويلة في الطرقات بعد أن شهدت عشية وفجر العيد أكثر من 20 حادثا مروريا.
ففي بلدتي "سمارة" الرابطة إب وصنعاء و"الركة" الرابطة بين الحديدة وإب، قضى العديد من المسافرين وأصيب آخرون ونقلوا إلى المستشفيات بدلا من منازل عائلاتهم إثر سلسلة من الحوادث التي ضربت أهم شراين المحافظة (وسط).
وبحسب المصادر، فإن اختناق الطرق في بلدتي "الركة" و"سمارة" أدى إلى تكدس آلاف المسافرين العائدين إلى عائلاتهم لانتظار مرور السيارات والشاحنات إثر تهالك الطرقات وتحولها إلى "مصائد موت" لا سيما يوم العيد.
كما تسبب عدم تأهيل وتحديث مليشيات الحوثي للطرقات في مناطق سيطرتها وسط اليمن وشماله أو قطع الطرقات بذرائع عسكرية وأمنية، في تهالك بنيتها ما حال دون اكتمال فرحة اليمنيين لقضاء العيد مع عائلاتهم، وفقا لذات المصدر.
وكانت الأمم المتحدة دعت الأطراف اليمنية، بالتزامن مع عيد الأضحى، للالتزام بالهدنة وفتح طرق تعز ومحافظات أخرى لتخفيف معاناة المدنيين وتسهيل حرية حركتهم الآمنة.
وقال بيان لمكتب المبعوث الأممي لليمن، تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، إن "الاتفاق بين كلا الجانبين مهم، لأن فتح الطرق يحتاج إلى التنسيق والتواصل المستمر بين الأطراف المختلفة لضمان عبور آمن ومستدام للمدنيين".
وأقر المبعوث الأممي بتمرير الحوثيين اقتراحا معدلا عبر المجتمع المدني بعد أن رفضوا مقترحا أمميا رئيسيا ضم فتح 5 طرق، حيث شمل الاقتراح المعدل 4 طرق فرعية للمرحلة الأولى وطرق رئيسية تربط 5 محافظات في المرحلة الثانية، وهو ما أعاد ملف الطرقات إلى نقطة الصفر وفقا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.