في اليمن تتحدث جماعة الحوثي الانقلابية عن تطوير قدرات عسكرية ومراحل مختلفة لهذا التطوير
في اليمن تتحدث جماعة الحوثي الانقلابية عن تطوير قدرات عسكرية ومراحل مختلفة لهذا التطوير، وتزعم امتلاك ما يسمى بـ"بنك أهداف" يمثل ساحة لعمليات الطائرات المسيّرة وصواريخ "كروز" التي تحصل عليها الجماعة من مليشيا الحرس الثوري الإيراني. وفي العراق يتجاوز الحشد الشعبي دوره ويقفز على سلطات الدولة العراقية، ويتهم إسرائيل رسمياً بالوقوف وراء هجوم بطائرتين مسيرتين على أحد ألويته قرب الحدود العراقية السورية في غرب البلاد. وفي لبنان، يتابع الكثيرون ما يحدث بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، الذي يختطف الحديث باسم الدولة اللبنانية ويهدد بتوجيه ضربات عسكرية بعد سقوط طائرتي استطلاع على لبنان، إحداهما انفجرت وتسببت بأضرار في المركز الإعلامي لـ"حزب الله"، وقال نصر الله في خطابه الأخير: "لن نسمح بمسار من هذا النوع مهما كلف الثمن.. وسنفعل كل شيء لمنع حصوله"، في تصريح يمنح فيه رئيس مليشيا لنفسه حقا حصريا لإعلان الحرب متجاوزاً دور الدولة اللبنانية!
انهيار ركائز النظام العالمي وغياب سيادة الدول وانحسار نفوذ الدولة الوطنية لمصلحة فسيفساء مليشياوي طائفي يتمدد وينتشر في دول شرق أوسطية عدة بمسميات وأقنعة مختلفة، يعني ظهور حقبة جديدة من المخاطر والتهديدات الأمنية ليس فقط لدول المنطقة والتكتلات الجيوسياسية الإقليمية ولكن أيضاً للنظام العالمي بأكمله،
وبالطبع، الأمر لا يقتصر على ذلك؛ فهناك أمثلة أخرى على "المليشيات الإرهابية المارقة" واستباحتها مقدرات الدول وثرواتها الطبيعية، ولكن هذه أمثلة ثلاثة لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من فوضى جراء عاملين أساسيين؛ أولهما: سلوكيات النظام الإيراني التي تواصل انتهاك القانون والأعراف والمواثيق الدولية، وتستمر في دعم وتمويل الوكلاء الطائفيين في دول عربية عدة، والعامل الثاني يرتبط بالأول ويسهم في تغذيته واستقوائه، وهو موقف المجتمع الدولي إزاء هذه الظاهرة التي تهدد الأمن والسلم العالميين، وهو موقف يراوح بين التردد والصمت وحسابات المصالح الذاتية التي تتغلب على اعتبارات الأمن الجماعي!
من المعروف أن العالم قد اتجه إلى بناء وترسيخ ركائز الأمن والسلم الدوليين منذ "صلح وستفاليا" عام 1648، حيث برز مفهوم سيادة الدولة ثم جاءت العديد من التطورات والمتغيرات التي توجت بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في منتصف القرن العشرين وطي الحقبة الاستعمارية وتصفية جيوبها ومظاهرها في العالم، عدا بعض الممارسات غير الشرعية في هذا الإطار والتي يعمل أصحاب الحقوق المشروعة على نيل حقوقهم المسلوبة من قوى الاحتلال التي لا تزال تمارس هذا السلوك المشين، ولكن ما يشهده العالم وتحديداً منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة يمثل ردة خطيرة في بنية الأمن والسلم العالميين، حيث شهد مفهوم سيادة الدولة ما يشبه الزلزال الاستراتيجي منذ اضطرابات عام 2011، التي ضعضعت مفاصل دول عربية عدة جراء سعي تنظيمات وجماعات تمتلك أجندات عابرة للوطنية وتعمل لحساب دول إقليمية، أو تسعى للحكم انطلاقاً من مفهوم أيديولوجي يرفع شعار الدين ويتخذ منه مطية للوصول إلى الحكم، أو الاثنين معاً: أي الوكالة لطرف خارجي بما يسهم في تحقيق المصالح والأهداف الخاصة لهذه التنظيمات والجماعات والمليشيات.
استمرار هذه الحالة غير المسبوقة من فوضى المليشيات التي باتت تمتلك ترسانات صواريخ متعددة الأمدية، وتكنولوجيا طائرات مسيّرة متطورة ربما لا تمتلكها دول إقليمية كبرى، يقلب موازين وحسابات التوازن الإقليمي الهش في الشرق الأوسط، وينذر باندلاع مواجهات واسعة يصعب التكهن بنتائجها وتوابعها في ظل عدم قدرة الأدوات التقليدية في النظام العالمي القائم مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغير ذلك، على التحكم بمسارات تنظيمات ما دون الدولة (المليشيات) وقراراتها وسياساتها.
انهيار ركائز النظام العالمي وغياب سيادة الدول وانحسار نفوذ الدولة الوطنية لمصلحة فسيفساء مليشياوي طائفي يتمدد وينتشر في دول شرق أوسطية عدة بمسميات وأقنعة مختلفة، يعني ظهور حقبة جديدة من المخاطر والتهديدات الأمنية ليس فقط لدول المنطقة والتكتلات الجيوسياسية الإقليمية، ولكن أيضاً للنظام العالمي بأكمله، لأن خروج هذه التهديدات عن نطاق السيطرة واحتمالات تحالفها تحت مظلات أيديولوجية أو طائفية أو بمعرفة من يديرها ويمولها يمثل نذيراً بنشوب صراع واسع النطاق في منطقة مشحونة بعوامل الفرقة والتفتت والاختلافات المذهبية والطائفية والدينية والإثنية، ناهيك عن الإكراهات التاريخية والقومية وغيرها من العوامل التي يمكن أن تصب الزيت على نار أي حريق يشتعل في منطقة تقف موبوءة بآفة المليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة