اليمن.. ثراء متزايد لقادة الانقلاب والمواطن يحلم بـ"عودة الراتب"
أكثر من 70% من اليمنيين أصبحوا تحت خط الفقر فيما لجأت قيادات المليشيا إلى التجارة بالأسواق السوداء للنفط والغاز.
لم تعد معركة استعادة الدولة المخطوفة بأيدي المليشيا الانقلابية تشكل الهاجس الأول، لدى غالبية اليمنيين في الوقت الراهن، حيث أصبح "استعادة الراتب"ونمط الحياة المعيشية الذي بات ذكرى بالنسبة لهم، هو الهمّ الرئيسي للبقاء على قيد الحياة، بعد مرور 3 أعوام من الانقلاب.
- خسائر الحوثي في 3 سنوات.. وصعدة الهدف القادم
- "الباتريوت" الإماراتي.. حصن اليمن من صواريخ الحوثي الإيرانية
ودخل الموظفون الحكوميون في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين، عامهم الثاني على التوالي دون الحصول على الرواتب الشهرية. الأمر الذي أسهم في تردي الأوضاع الإنسانية على نحو كارثي وفقاً لتقارير اقتصادية محلية ودولية .
وفيما تواصل المليشيا الانقلابية سيطرتها وعبثها بإيرادات البلد المالية في مناطق نفوذها، إلا أنها تعمل جاهدة على التنصل من التزاماتها إزاء دفع الرواتب للموظفين في تلك المناطق؛ مدعية بأن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، التي نقلت البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في أكتوبر من عام 2016 .
وتحاول المليشيا الانقلابية، من خلال حرمان موظفي الدولة من مرتباتهم، خلق حالة من التذمر والسخط الشعبي تجاه الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي، جراء نقل البنك المركزي إلى عدن.
ويعيش نحو مليون موظف يمني بلا رواتب منذ عامين تقريباً، فيما تشير تقديرات منظمات الإغاثة إلى أن هؤلاء يعولون أكثر من 7 ملايين شخص، ما يعني أن الشق الأغلب من الناس صاروا يعيشون داخل الهاوية وليس على الحافة.
مليشيا لا ضمير لها
"لا سلطة تحس بأوجاع المواطنين ولا ضمير لهم يهتز تجاه ما يحدث وسيحدث من كوارث.. ما يهمهم حقاً هو كيفية الزج بمزيد من أبنائنا إلى محارق الموت في حروبهم المجنونة".. هكذا يستهل صادق محمد حديثه لـ"العين الإخبارية".
ويضيف صادق، وهو معلم في إحدى المدارس الثانوية بمدينة إب وسط اليمن: "أصبحنا عاجزين عن توفير الكثير من متطلبات البقاء والحياة الكريمة، وأجبرونا على تقليص الوجبات اليومية في كثير من الأوقات إلى وجبة واحدة فقط أو وجبتين يومياً على أعلى تقدير".
وكمَن يحاول عبثاً التمسك بخيط أمل خادع يقول المعلم اليمني "ما زلنا ننتظر وصول نصف الراتب الذي وعدتنا به القيادات التربوية التابعة للحوثيين، ربما يعيننا على الحياة القاسية إن تم صرفه بانتظام، كما وعدونا سابقاً".
وكانت قيادات بارزة في مليشيا الحوثي وفي مقدمتهم صالح الصماد رئيس ما يسمى المجلس السياسي وبعض أعضاء حكومة الانقلابيين غير المعترف بها قد أطلقوا وعوداً سابقة قبل عدة شهور للمعلمين التربويين بصرف نصف راتب على أن يكون منتظماً، لكن تلك الوعود ذهبت مع الريح ولم يتم الوفاء بها .
ولاحقاً، أعلنت الجماعة على لسان رئيس حكومتها الانقلابية قبل أسابيع قليلة، أن الأولوية ستكون للإنفاق على جبهات القتال، وهو ما يشير بطريقة أو بأخرى إلى استمرار معاناة الموظفين الحكوميين بمناطق سيطرة الانقلاب إلى أجل غير مسمى، علاوة على انجراف متسارع للسكان نحو دائرة الفقر المدقع.
اتساع رقعة الفقر
وتؤكد تقارير متطابقة لعدد من مراكز البحوث الاقتصادية حدوث ارتفاع مخيف لعدد اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر منذ الانقلاب على السلطة قبل 3 أعوام، وبنسبة تجاوزت 72%.
ويوماً تلو آخر، تتضاءل الخيارات المتاحة أمام السكان المحليين الطامحين لتحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي لهم ولأسرهم.
ويقول مجاهد عبدالله وهو موظف حكومي تحول مؤخراً إلى العمل في مجال البناء كعامل، بسبب توقف المرتبات لـ"العين الإخبارية": "الاستسلام يعني الموت البطيء".
وأضاف مجاهد: "لقد عانيت وأولادي كثيراً بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة لكنني قررت ألا أستسلم أبداً، وها أنا كما تراني أحاول الصمود والبحث عن عمل يعينني وأسرتي على الصمود ويكفينا ذل السؤال والحاجة، رغم أن أعمال البناء أيضاً أصبحت شحيحة وغير متوافرة إلا في النادر، لكن السعي خلف الرزق أفضل من انتظاره".
ومؤخراً تضاعفت وبشكل ملحوظ في كثير من المدن اليمنية طوابير المتسولين، من رجال ونساء وأطفال، لكن المقلق كما يقول مجاهد ظهور أشخاص بهيئات نظيفة وأنيقة أيضاً –على غير العادة– يتسولون على استحياء.
ويقول بنبرة حزن واضحة: "حدث أن صادفت في أكثر من مناسبة أشخاصاً يعرضون عليّ شراء شيء من مقتنياتهم الخاصة وحينما لا أستجيب لرغبتهم، يطلبون بشيء من الانكسار والخجل مبلغاً بسيطاً كمساعدة أو صدقة لشراء كسرة خبز لصغاره الذين يعتصر الجوع بطونهم".
أسواق سوداء وثراء فاحش لقيادات المليشيا
في مقابل سياسة التجويع التي تمارسها مليشيا الحوثي على المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، تبرز مظاهر الثراء بشكل فاحش على قيادات الجماعة في العاصمة صنعاء وصعدة، على شكل قصور فخمة ومواكب من السيارات الفارهة.
ويقول مراقبون، إن مليشيا الحوثي حوّلت الاقتصاد اليمني إلى اقتصاد خفي "ثعابين الثروة والحروب"، بعد تنمية الأسواق السوداء للمشتقات النفطية والغاز المنزلي في صنعاء وجميع المدن الخاضعة لهم.
وقام الانقلابيون، بدعم إيراني، بالسيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي والذي تبلغ إيراداته مليار ريال يمني يوميا، بالإضافة إلى مصادرة ما يعادل 400 مليون دولار من ضرائب شركات الاتصالات التي تقع مقراتها في صنعاء، والتي كان من المفترض أن يتم توريدها للبنك الرئيسي في عدن وليس إلى حسابات الحوثيين.
كما قامت مليشيا الحوثي بنهب أموال الصناديق الخاصة والاستثمارية وعلى رأسها صندوق التأمينات الاجتماعية والمعاشات وصندوق النشء والشباب.
ولجأ الحوثيون إلى المضاربة بالعملات، حيث انهار سعر العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي من 214 للدولار قبل الانقلاب، إلى 500 ريال للدولار الواحد، وسط ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والمواد الغذائية
aXA6IDMuMTI5LjM5Ljg1IA== جزيرة ام اند امز