النساء النازحات في اليمن.. ضحايا النظرات الرخيصة
تقرير أممي يكشف أن 800 ألف شخص من النازحين داخل اليمن في عام 2017 كانوا من النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما
خرجت النازحة العشرينية من مأوى النازحين الذي تقطن فيه بقرية الخيسة الساحلية، غرب عدن، (جنوبي اليمن) لتشارك جيرانها الجدد أفراح أعراسهم، لكنها عادت إلى مأواها وهي محملة بأتراح وأحزان الدنيا.
غادرت الشابة التي رمزت لاسمها بـ"س.م" منزلها المؤقت، ذات مساء لتفرح في عرس جيرانها، وأثناء عودتها قطع طريقها شابان، أحدهما نازح يعرفها وتعرفه، من أبناء قريتها التي نزحوا منها، بمحافظة الحديدة (غربي البلاد)، كان هذا النازح الذي تعرفه برفقة نديمه، شاب من أبناء قرية الخيسة، بمديرية البريقة.
وقفت "س.م" تحدث الشاب الذي تعرفه، ولم يدر في خلدها أنه يستدرجها إلى فخ نصبه لها مع شريكه، وفي غفلة منها سحبت الفتاة بالقوة إلى (عشة) كوخ صغير، كان الشابان يتسامران فيه وقاما باغتصابها.
هرولت الشابة المصدومة خارج العشة، والدموع تغسل جسدها المنتهك، ولم تجد ملاذاً تلجأ إليه سوى منزل سوزان جواد، المتخصصة في حماية حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وعضوة لجان الحماية المجتمعية في مديرية البريقة، غرب عدن، والتي سردت لـ"العين الإخبارية" تفاصيل الواقعة.
نظرات رخيصة
تقول سوزان "ينظر المجتمع الذكوري إلى الفتيات النازحات بأنهن رخيصات، ومن الممكن الإيقاع بهن بأسهل الطرق، ولهذا يتجرأ الكثيرون على التحرش بهن جنسياً واغتصابهن".
وأكدت المتخصصة في الحماية المجتمعية أن النازحات عموماً يصنفن على المستوى الدولي والإنساني بأنهن (فئات أشد ضعفاً)، ومن ثم تنعكس هذه التصنيفات على طبيعة المعاملة التي يتعرضن لها من المجتمع الذي ينزحن إليه.
وأشارت إلى أن مديرية البريقة أكثر مديريات محافظة عدن استيعاباً للنازحين، من محافظة الحديدة ومديريات الساحل الغربي (المخا، وذو باب، وباب المندب)، حيث تبلغ أعدادهم نحو 1200 أسرة، في آخر إحصائية تم تنفيذها منتصف عام 2018.
واعترفت بوجود الكثير من الاعتداءات الجنسية وأعمال العنف التي تمارس بحق النازحين، بشكل عام، والأطفال والنساء والفتيات الصغيرات بشكل خاص، لافتة إلى أن قلة قليلة منهن يستطعن الحديث أو الإبلاغ عن الاعتداءات الجنسية التي يتعرضن لها، بسبب ثقافة العيب والعار المنتشرة في البلاد، حسب وصفها.
وكشفت سوزان عن إجراءات حماية معينة يتم تقديمها للمعنفات أو ضحايا العنف الاجتماعي، خاصة اللاتي يتعرضن للاغتصاب، منها قانونية تتعلق بالمحاكمة والمقاضاة بدعم من المنظمات الدولية المعنية، وخدمات أخرى نفسية وصحية وحتى مالية، وهو ما تم تنفيذه مع حالة مثل الشابة النازحة (س.م.ع)
عنف يتفاقم
وحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2017 في اليمن فإن عدد النازحين والعائدين بلغ 3 ملايين شخص، وتمثل النساء والأطفال ما نسبته 72% من إجمالي عدد النازحين.
وفاقم الصراع من انتشار أشكال معينة للعنف وسوء المعاملة، حيث تعرضت النساء والفتيات النازحات للعنف من قبل المجتمع المضيف ومن النازحين أنفسهم، تمثلت في إساءة المعاملة والتحرش اللفظي والجنسي والتمييز، وتوجيه السب والشتم البذيء، وفق تقرير عالمي لمركز النزوح الداخلي، الذي أشار إلى انتشار العنف الجنسي وزواج الأطفال في أوساط الأسر النازحة، ولا سيما النازحين المهمشين.
وأشار تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان بداية 2017 إلى أن 800 ألف شخص من النازحين داخل اليمن كانوا من النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً، ويتعرضن لخطر العنف القائم على نوع الجنس.
ثقافة العيب وعدم الإبلاغ
في الوقت الذي أكد تقرير للجنة الوطنية للمرأة حول مسح حالات الانتهاكات الواقعة على النساء انعدام أي نوع من الخدمات المقدمة للضحايا، كأشكال الدعم القانوني والضبطي والصحي، في حالات الاعتداء البدني والتحرش الجنسي، أشار إلى أن ثقافة العيب تمنع من الإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي، مما يؤدي إلى استمرار هذا العنف ضد النازحين.
ويشير تقرير آخر لمنظمة العفو الدولية، مقدم إلى لجنة حقوق الإنسان في اليمن، إلى أنه رغم انتشار العنف الجنسي بما فيه التحرش والاغتصاب إلا أن ضحايا هذا العنف يحجمون عن إبلاغ الجهات المختصة، الأمر الذي أرجعه تقرير منظمة العفو الدولية إلى عدة أمور، منها الحفاظ على شرف العائلة، وخوف النساء من احتمال تعرضهن لمزيد من الانتهاكات، وعدم وجود أطراف يأمن الضحايا الإبلاغ إليهم، مما يؤثر سلباً على وصول النساء إلى العدالة.