المدرجات الزراعية في اليمن.. جنة خضراء تُعزز الأمن الغذائي
كتقنية حضارية مبتكرة لاستثمار موسم تساقط الأمطار، شيّد اليمنيون المدرجات الزراعية، كهندسة منتظمة لتوفير الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي.
وعمل المزارع اليمني في بناء المدرجات الزراعية بطرق عديدة وأساليب هندسية بالغة التعقيد ركيزتها الأحجار والصخور والطين، والأشجار لتميز اليمني على مدى قرون.
مؤخرًا، وفي ظل حرب الحوثي التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي، عاد الكثير من اليمنيين إلى مهنة الأجداد واتجهوا إلى المدرجات الزراعية لاستصلاحها وزراعة محاصيل أخرى مجدية كالبن الذي يحظى برواج وتوسع لافت في عدد من المناطق والمحافظات رغم التحديات الكبيرة.
صبر نموذجًا
تشييد المدرجات الزراعية أو ما تسمى بـ"الشِعاب"، باتت من الأساليب المتوارثة التي مكنت الأهالي من زراعة أراضيهم بمحاصيل مختلفة، خلال موسم الصيف ونزول الأمطار، أهمها مناطق جبل صبر بمحافظة تعز كنموذج لبقية المناطق الجبلية الذي يقطنها اليمنيون.
- الوصفة الصينية للتنمية.. ما هي الدول التي سارت على خطى التنين؟
- قفزة تاريخية في سهم إنفيديا..القيمة السوقية تتجاوز 3 تريليونات دولار
وتعود بداية المدرجات الزراعية والحقول في اليمن إلى قبل حوالي 3 آلاف عام، إذ شيّد اليمنيون ملايين المدرجات الزراعية، على الجبال الذي يصل ارتفاع بعضها إلى نحو 3500 مترا فوق سطح البحر.
وفي تلك المدرجات الزراعية عمل اليمنيون على زراعة القمح، وأشجار البن اليمني، والفواكه المختلفة، والخضراوات بأنواعها.
زراعة مدرجات جبل صبر
عبدالله الصبري أحد سكان بلدة "المعقاب" في مديرية صبر المواد بتعز، يقول لـ"العين الإخبارية"، إنه يعمل في زراعة المدرجات منذ سنوات طويلة، وأنه ورثها من والده، حيث يقوم بإصلاحها بشكل مستمر، بسبب تساقط الأمطار الغزيرة وجرف تربتها.
ويضيف المزارع الصبري، أنه يقوم بزراعة مدرجاته، بالشعير والقمح والذرة الشامية، والبطاط، والعدس، والحُلوبة، والفول السوداني.
وأشار إلى أن العديد من المزارعين اتجهوا مؤخراً لزراعة القمح بشكل أكبر نظراً لارتفاع سعره في السوق، وكذلك الخضراوات من ثوم وكراث وبصل، وبسباس، وكوسة، وفاصوليا وغيرها.
وتبرز زراعة الشعير والقمح في جبل صبر كأكثر الزراعات التي يمارسها أهالي الجبل، خلال موسم واحد في العام وهو فصل الصيف ونزول الأمطار فيه. وفقاً للصبري.
ويرتفع جبل صبر على سطح البحر نحو 3000 متر، والذي يعد من أعلى جبال اليمن والجزيرة العربية، حيث تزيّنه المدرجات بأشكال هندسية منتظمة، تروي عظمة الأجداد، وتمسكهم بأرضهم، وزراعتها.
المدرجات الزراعية تعزز الأمن الغذائي
في السياق يقول الباحث الزراعي اليمني منير محمد، لـ"العين الإخبارية "، إن للمدرجات الزراعية أهمية كبيرة في الحفاظ على التربة، وحفظ المياه، وزيادة الغطاء النباتي.
وأضاف الباحث المتخصص في المجال الزراعي، أن نسبة كبيرة من مساحة الأراضي الزراعية في مختلف مناطق البلاد، تُعد من المدرجات لا سيما المناطق الجبلية.
ويشير إلى أن المزارع اليمني منذ آلاف السنين، اتجه لبناء المدرجات أو ما تسمى "الشِعاب"، في الجبال والهضاب والمنحدرات الجبلية الوعرة، وعمل على ترميمها بشكل مستمر.
وبحسب محمد، فإن ذلك ساهم في اختيار المواطن اليمني قديما، للعيش في المناطق الجبلية، والذي زاد من تركيز نسبة سكان اليمن في تلك المناطق الجبلية والعمل في حرث أرضه والحفاظ عليها من سيول الأمطار والاستفادة منها.
وأكد أن بناء المدرجات يعد من الإجراءات المبكرة التي اتخذها المواطن اليمني للحفاظ على البيئة، ومكافحة التصحر، وتوسعة الغطاء النباتي، والأمن الغذائي للبلاد.
موضحاً أن بناء المنحدرات الجبلية بالمدرجات الصخرية، يعمل على الحفاظ على التربة والمياه، ويسهم بشكل كبير في تصريف مياه السيول الجارفة بشكل متوازٍ وآمن، كما يؤدي إلى زيادة التنوع الحيوي والبيولوجي لنباتات وكائنات الطبيعة.
وتشير إحصائيات رسمية، إلى أن مساحة أراضي المدرجات الزراعية في اليمن تبلغ نحو 661 ألف هكتار، وهي مساحة نصف الأراضي المزروعة الدائمة أو المؤقتة في مختلف محافظات البلاد، والتي تبلغ قرابة 1.1 مليون هكتار.
فيما يبلغ إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في اليمن نحو مليون و600 ألف هكتار، تتركز في الجبال والوديان والسواحل والمساحات المفتوحة.
ووفقا للحكومة اليمنية فإن الأراضي الزراعية في الجبال تقدر مساحتها بـ 18%، من المساحة الزراعية الإجمالية للبلاد، ويعيش فيها 70% من السكان الذين تعد الزراعة بالنسبة لهم المصدر الرئيسي للدخل وللعيش والبقاء.