"أن تنبت لك أجنحة".. حينما يكون الألم بذرة لشجرة وارفة

يركز كتاب "أن تنبت لك أجنحة" على شرح مهارات وتكنيكات يمكن أن تساعد على الخروج تداعيات تجربة الطلاق بكل ما تخلفه من آلام وأوجاع
تبدو خبرة الطلاق في مجتمعاتنا العربية والشرقية من الخبرات ذات الطبيعة الخاصة، خبرة ملتبسة وضبابية ومسكوت عنها في كثير من جوانبها، وتأثيراتها خاصة على الطرف الأنثوي (دون السقوط في فخ التمييز بوعي أو بدونه). إلى وقت قريب، لم يكن من المستساغ ولا من المقبول أن تخرج امرأة لتتحدث عن هذه التجربة حديثا صريحا وناقدا، فضلا عن أن تكون التجربة برمتها موضوعا لكتاب يذاع فيه ما لا ينبغي أن يذاع في نظر البعض (هل نقول في نظر الثقافة العربية في بنيتها العميقة؟)
لذا فإن ما يقدمه هذا الكتاب الجديد لباحثة وأخصائية نفسية يبدو مختلفا على مستويات عدة، ذاتية وموضوعية، شخصية وعامة، تمزج المؤلفة بين هذه الثنائيات بسلاسة وتعبر عنها ببساطة، تقول في كتابها (أن تنبت لك أجنحة): "أكتب هذا الكتاب بروحين؛ روح الباحثة والإخصائية النفسية التي تريد أن تكتب عن مهارات وتكنيكات يمكن أن تساعد على الخروج من هذہ الأزمة وهذا الوجع، وروح فتاة بسيطة اختبرت سرقة الفرح منها والطلاق، واختبرت هذا الألم العميق وعبرته بنجاح".
تشارك رضوى أسامة قراءها بعض التفاصيل "العزيزة" التي خرجت من رحم "الطلاق"، تلك التجربة التي عاشتها بكل أوجاعها كإنسانة، واختبرت تحدياتها كأخصائية نفسية، تقول: "لا أعرف لماذا ربطتُ بين الزرع والطلاق.. لكنني كنت أشتري في كل ألم زرعة.. في اليوم الذي قمتُ فيه بتوكيل أبي للحصول على الطلاق اشتريت صبارا بالورد وظللت أتأمل كيف يمكن للصبار المر أن يطرح وردا، وقلت إن الفرح يمكن أن ينبت من الأشياء المرّة، وكلما كبرت الصبارة وانتشر الورد فيها كلما أدركت أن وقتا طويلا قد مر وأنني الآن أفضل".
يقدم الكتاب، الصادر عن دار "الشروق" المصرية، بعض المهارات والمعلومات النفسية التي يمكن أن تساعد على تجاوز مرحلة الألم التي تعقب الطلاق، تشارك الكاتبة مقاطع من خبرتها التي تلت الطلاق، وتركت مع كل تجربة سؤالا أو "تمرينا" خصصت له مساحة بيضاء لتكتب فيه كل قارئة ما بداخلها، كما فعلت على سبيل المثال في فقرة خاصة عن ضرورة تحديد مصادر الدعم كأحد طرق تخطي مشاعر الطلاق التي تعرفها بـأنها "تلك الأشياء التي تمثل أهمية لك وتسندك بشكل حقيقي، وبدونها ستنهارين، وبها ستمتثلين للشفاء، ومنها مثلا علاقتك بالله ورؤيتك له ومساندة الأهل، ووجود أخصائي نفسي يسندك ودائرة أصدقاء تحتضنك، وصلابة نفسية قوية، أي قدرتك على التعامل مع الضغوط بكفاءة، وعمل تستمتعين فيه وكثير من الأشياء التي تشعرين بأهميتها لك".
وبعدما استفاضت الكاتبة في أهمية دائرة الدعم، ووجهت حديثها للقارئات "حاولي معي أن تستردي دائرة الدعم الخاصة بك والتي ربما ترين مدى أهميتها للمرة الأولى"، وتركت خانة بيضاء لكل قارئة لتدون فيها أسماء وأفراد دائرة دعمها الخاصة، في أسلوب تفاعلي اعتمده الكتاب على طريقة جلسة نفسية خاصة، تشرح رضوى ماهية التمارين تلك "سأترك لكِ مساحات بيضاء في الكتاب لتعبِّري عما بداخلكِ. وتذكَّري: السعادة طريق نختار أن نعيشه، والألم طريق للنمو مقدر لنا أيضًا أن نمشيه".
"الطريق" كلمة ستتوقف عندها في أكثر من محطة في هذا الكتاب، الطريق الذي يظهر في بدايته إجباريا بعد التعرض لمحنة الطلاق، واختياريا للخلاص والاشتباك مع الحياة الجديدة التي تقود للسعادة والإخلاص لسبلها، حتى لو كانت بتغيير بسيط في ديكور المنزل، في حالة الاحتفاظ بشقة الزوجية بعد الطلاق، أو حتى خبز "كيكة" شهية تفوح منها رائحة السعادة في تحدي مقاومة الإحباط والألم، سبل مختلفة تناولها الكتاب.
يقع الكتاب في سبعة فصول تدرجت فيه الكاتبة والأخصائية النفسية رضوى أسامة في صعود سلم المشاعر والاتجاه بها إيجابا حتى تتوجه بفصل النهاية "فتح نوافذ جديدة للقلب والارتباط"، تستهله الكاتبة بخبر سعيد بعيدا عن مشاعرها المنهكة بخبرة الطلاق تقول "أكتب هذا الفصل قبيل أيام من زفافي إلى رجل أحبه، عندما تعافيت من خبرة الطلاق وأصبح لقلبي قدرة على بناء نافذة جديدة أطل بها على الحب، أهداني الله حب "محمد".. قبل ذلك الوقت لم أكن مهيئة للحب".
مؤلفة الكتاب، رضوى أسامة، صدر لها من قبل كتاب "حين تحلق الفراشات - إدارة المشاعر للبنات" و"جردل وصابون سايل" مجموعة قصصية، وحصلت روايتها "ليلك" على جائزة "حورس" للسرد العربي للأعمال غير المنشورة من مكتبة الأسكندرية، وأخيرا على جائزة جريدة "أخبار الأدب".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA==
جزيرة ام اند امز