ذبيح الله وطالبان.. "المتحدث الشبح" يطل بوجهه لأول مرة
بعد أعوام من الاختفاء خلف شاشة "هاتف جوال"، ظهر صوت طالبان، ذبيح الله مجاهد، للعلن بعد يومين من ملء عناصر الحركة مدن وشوارع أفغانستان.
ظهور الرجل صاحب الصوت المألوف، والوجه غير المعروف، جاء بعد أن بات وجود طالبان حقيقة واقعة في كل مدن وشوارع أفعانستان، إثر سيطرتها على البلاد.
كما أن صوت طالبان خرج للعلن لأول مرة، برسائل غير معهودة للداخل والخارج، تثير الارتباك بقدر ما تحرك التشكيك، وترسم مستقبلا على الرمال ربما لا يكون بقدر بشاعة الماضي.
الرجل الشبح
وحتى اليوم، لم يكن أحد يعرف ملامح المتحدث باسم طالبان، بل لم يكن معروفا إن كان ذبيح الله مجاهد هو اسمه الحقيقي أو مجرد اسم مستعار.
وكان ذبيح الله مجاهد هو الاسم أو الاسم المستعار لأحد المتحدثين الرسميين باسم طالبان، والآخر هو قاري يوسف أحمدي.
وعينت حركة طالبان مجاهد في يناير /كانون الثاني 2007 في منصب المتحدث باسم الحركة، بعد اعتقال سلفه محمد حنيف، وكان مختصا بالتعليق بشكل رئيسي على أنشطة طالبان في شرق وشمال ووسط أفغانستان.
وفي الفترة بين 2007 و2021، تواصل مجاهد بانتظام مع الصحفيين الأفغان وتحدث نيابة عن طالبان عبر مكالمات الهاتف المحمول والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني وتويتر، والمنشورات على المواقع الجهادية، دون أن يظهر للعلن، أو يلتقي أحدا، لذلك لم يكن أحد يعرف هويته أو ملامحه.
وفي تقرير نشر في 2015، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن صحفيين أفغان تحدثوا مع مجاهد بانتظام، إن الرجل يتحدث لغة الباشتو بلهجة من شرق أفغانستان، وصوته بات معروفا ومألوفا لجميع من يتحدث معه.
وخلال السنوات الماضية، وصف مجاهد نفسه في سلسلة من المقابلات التي أجريت عبر الهاتف، بأنه رجل في منتصف العمر يعيش في أفغانستان، ومتزوج ولديه عدة أطفال.
وبسبب "التهديدات الأمنية"، قال مجاهد إنه "يتنقل دائمًا ولا يبقى في مكان واحد".
المتحدث باسم طالبان ادعى في المقابلات مع الصحفيين الأفغان بأنه حاصل على درجة الماجستير في الدراسات الدينية، لكنه رفض تسمية الدولة التي درس فيها لدواع أمنية.
وقبل تعيينه متحدثا رسميا باسم طالبان، شغل مجاهد منصبا صغيرا في وزارة الثقافة والإعلام في حكومة طالبان الأولى في تسعينيات القرن الماضي، ثم قاتل مع عناصر الحركة إبان الغزو الأمريكي، وفق الصحيفة الأمريكية.
واقعة طريفة
في عام 2009، أجرى رجل يزعم أنه ذبيح الله مجاهد مقابلة بظهره "لم يعط وجهه للكاميرا" مع مراسل شبكة "ٍسي إن إن" الأمريكية، نيك روبرتسون، الذي وصف الرجل بأنه "قريب من 30 عامًا، وملتحٍ، وطوله يزيد قليلاً عن 6 أقدام (1.8 متر)".
وبعد إذاعة مقابلة "سي إن إن" في مايو أيار 2009، ادعى ذبيح الله مجاهد الذي كان الصحفيون يتحدثون إليه عبر الهاتف، أن الشخص الذي أجرى المقابلة مع "سي إن إن" محتالا.
لكن أحد محللي الاستخبارات الأمريكية قال لـ"سي إن إن" في ذلك الوقت إن الرجل الذي قابلته الشبكة، كان واحدًا من عدة أفراد يستخدمون شخصية ذبيح الله مجاهد، لكن طالبان تبرأت منه لأنها لم تكن راضية عن المقابلة.
وقال المحلل: "لا يمكن أن يكون ذبيح الله مجاهد شخصًا واحدًا.. لا يمكن لشخص واحد أن يتلقى هذا العدد الكبير من المكالمات من وسائل الإعلام".
14 عاما من التخفي
وطوال 14 عاما من العمل متخفيا، لم يكتف ذبيح الله مجاهد بإصدار بيانات طالبان، أو التحدث عبر الهاتف مع الصحفيين، بل أن كان يصدر العديد من مقاطع الفيديو الدعائية على حسابه على تويتر تظهر ما يصفه بـ"إنجازات" الحركة في الحرب مع القوات الحكومية.
وكان للرجل الذي عاش شبحا لنحو عقد ونصف، واقعة شهيرة في يوليو/تموز الماضي، عندما قدم اعتذارا غير مألوف عن مقتل مراسل وكالة رويترز دنش صديقي خلال اشتباكات لعناصر طالبان والقوات الحكومية، وطالب الصحفيين بإبلاغه بتواجدهم في أماكن المعارك مسبقا لضمان أمنهم.
رسائل غريبة
وفي أول ظهور علني منذ 14 عاما، بعث ذبيح الله مجاهد في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، بعدة رسائل غير مألوفة من طالبان، إلى الداخل والخارج، تبدو محاولة لطمأنة الجميع على نهج الحركة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم طالبان، أنه لا مجال لتصفية الحسابات، وتابع قائلًا: "نطمئن العالم والولايات المتحدة وجيراننا أن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضدهم".
وفي رسالة للشعب الأفغاني، قال ذبيح الله مجاهد، "أطمئن من عملوا ضدنا مع القوات الأجنبية بأننا عفونا عنهم وأن أفغانستان بلدهم ولا يجب أن يغادروها".
وفيما يخص الملف الطائفي، أكد المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، أنه لن يتم السماح بإثارة النعرات العرقية والقومية والدينية، وتابع قائلًا: "نريد أن تكون أفغانستان دولة موحدة.. نتطلع إلى أن يكون هناك تعايش سلمي بين أطياف الشعب".
وأوضح ذبيح الله مجاهد، أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرا إيجابيا وسيكون هناك أمن ونظام يخدم الشعب الأفغاني.
وقال المتحدث باسم الحركة، "هناك اختلاف هائل بين ما نحن عليه الآن وما كنا عليه قبل 20 عاما"، وشدد على منع تكوين أي مليشيات مسلحة داخل البلاد.
"أفغانستان لن تكون مركزًا لإنتاج المخدرات وتهريب السلاح".. هكذا أوضح المتحدث باسم حركة طالبان خلال المؤتمر الأول للحركة منذ الاستيلاء على الحكم.
سيطرت طالبان على أفغانستان، الأحد الماضي، عندما فرّ الرئيس أشرف غني ودخل مسلحوها إلى كابول من دون مقاومة، بعد عقدين من الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف.
aXA6IDE4Ljk3LjE0LjgwIA==
جزيرة ام اند امز