دستور وحرية ودور للمرأة.. هل تغيرت طالبان؟
خطاب يبدو متنافرا مع أيديولوجية طالبان؛ الحركة التي تظهر اليوم مرونة اختزلتها أفكار تقدمية تؤمن بالقوانين الوضعية والحريات ودور المرأة.
دستور وحرية إعلام ومكانة للمرأة في المشهد السياسي.. توليفة تبدو صادمة للعارفين بفكر حركة تجر وراءها إرثا من التشدد والتطرف، ما يفاقم المخاوف من أن خطاب الحركة لا يعدو أن يكون سوى نوع من "التقية" السياسية لتحقيق أهداف محددة وفرض رؤيتها وأيديولوجيتها.
ذبيح الله مجاهد؛ المتحدث الرسمي باسم طالبان في أفغانستان، أكد أن الحركة لا تريد أي حرب في البلاد، ولا تسعى لتصفية الحسابات.
وأضاف مجاهد، في مؤتمر صحفي يعتبر الأول منذ استيلاء طالبان على كابول، أن الحركة ستؤمن السفارات والمنطقة الخضراء في العاصمة.
مجاهد لم يغفل خلال مؤتمره طمأنة الغرب تجاه وصول طالبان للسلطة بما في ذلك وضع المرأة قائلا: "نتعهد أن نمنح المرأة حقوقها التي أقرها الإسلام، والمرأة عنصر مهم في بلدنا".
وأكد أنه من حق الشعب الأفغاني أن يكون له دستوره وقوانينه الخاصة التي تتماشى مع قيمه.
وتعهد بأن تسمح الحركة لوسائل الإعلام بممارسة دورها، مستدركا: "ولكن نطالبها بمراعاة قيمنا الدينية والوطنية".
استدراك مخيف
المتأمل في تصريحات مجاهد يخلص إلى أن الاستدراك طغى على خطابه بشكل فرض قيودا لغوية على كلامه، واستبطن قيودا أشد صرامة على المعنى.
فهامش "الحرية" الذي تعد به طالبان ينضح قيودا يجعل التطبيق شبه مستحيل بالنسبة لحركة لا تؤمن بالتغيير في فكرها ولا ترى له بديلا.
كما أن تأكيد مجاهد على حق الأفغان في أن يكون لهم "دستور وقوانين تتماشى مع قيمهم" يختزل فخا لغويا هائلا قد يمتد إلى الواقع بفرض "قوانين" تتماشى مع فكر الحركة تكون بمثابة قيود تضبط إيقاع الحياة بشكل مخيف، أي تماما كما كان عليه الوضع في أفغانستان قبل 2001.
أما دور المرأة الذي لخصه مجاهد في حقوقها "التي أقرها الإسلام"، فإن هذا الوعد وإن قد يبعث برسالة إيجابية للغرب، لكن المؤكد أنه سيرفع منسوب الخوف لدى الأفغانيات ممن خبرن معنى "الحق" حين يكون مصدره حركة تفسر القرآن بمنطق متشدد يتعارض مع سماحة ويسر الدين الإسلامي.
وبخصوص حرية الإعلام، اشترطت الحركة حصول وسائل الإعلام على هذا الهامش بـ"مراعاة القيم الدينية والوطنية" مع ضمير يعود على المتحدث الجمع أي على الحركة نفسها، ما يعني أن "الحرية" ستكون من وجهة نظر الحركة وعلى مقاس مصالحها وأهدافها.
لا لأخطاء الماضي؟
خطاب مجاهد بدا أنه يدور حول محور واحد، وهو بعث جملة من الرسائل إلى الغرب، فحواها أن طالبان لم تعد تلك الحركة المتطرفة التي تحقق مكاسبها عبر الدم، وإنما غدت حركة أشبه ما تكون بالسياسية القادرة على جمع الأفغان حولها بلا دماء.
الحركة طمأنت العالم أيضا بأنها لن تحول البلاد إلى ساحة للانتقام من مناوئيها خصوصا من أنصار الحكومة والتدخل الأجنبي لما بعد 2001، وإنما ستجعل أفغانستان بلدا للجميع.
رسائل للخارج، لكن الحركة أغفلت أن تدعم رسائلها للداخل باجتثاث ظلال سنوات حكمها من الذاكرة الجماعية للأفغان، وهي التي استولت على السلطة في 1996، وفرضت قيودا مشددة على الشعب، واستهدفت النساء وسلبتهن حقوقهن، وحولت البلاد إلى سجن مفتوح.
فالرعب لا يزال يسيطر على الأفغان لأنهم أكثر من يدرك معنى عودة طالبان للحكم، ومعنى رجوعهم إلى ما قبل 2001، مع استثناء وحيد قد يتحقق وهو أن طالبان لن تسمح بأن تتحول أفغانستان إلى ظهير للجماعات الإرهابية بالمنطقة، تطبيقا لاتفاقها مع واشنطن في فبراير/ شباط 2020.
عهد وحيد قد تطبقه الحركة تحسبا لغضب واشنطن وعودتها وحلفائها لاستخدام القوة ضدها، ما يفسر تركيز مجاهد على البنود المتعلقة بالقتال والقانون والحرية والمرأة.
فما تغير اليوم ليس طالبان وإنما المعادلة على الأرض بين واشنطن والحكومة الأفغانية السابقة، ولذلك يكاد محللون يجزمون بأن باقة الوعود التي وشحت خطاب مجاهد اليوم لن تخرج عن حيز الورقة المدونة عليها، وبالتالي فإن الحيثيات على الأرض لن تخرج بدورها عن إيديولوجية الحركة.
aXA6IDMuMTQ2LjE1Mi4xNDcg جزيرة ام اند امز