زرقاء اليمامة بطلة أول «أوبرا سعودية».. قصة عربية بـ«عيون أسطورية»
قبل 10 قرون لمع اسم زرقاء اليمامة في سماء شبه الجزيرة العربية، ورغم مرور مئات السنين لا تزال محط اهتمام وبطلة أول أوبرا في السعودية.
قصة زرقاء اليمامة واحدة من أشهر الحكايات في التراث العربي، ورغم أن ما يتردد عن حدة بصرها أقرب للأسطورة، فإن بعض المؤرخين يؤكدون أنها قصة حقيقية لامرأة عاشت سنة 250 قبل الميلاد تقريبا وإن أدخلت عليها بعض التفاصيل غير الدقيقة.
ومع انطلاق أول أوبرا في المملكة العربية السعودية، والتي من المتوقع أن تكون الأضخم عربياً، بعرض موسيقي ومسرحي عن "زرقاء اليمامة"، عادت قصة المرأة الخارقة للواجهة من جديد.
من هي زرقاء اليمامة؟
تعد زرقاء اليمامة واحدة من الشخصيات الشهيرة في تاريخ العرب خلال عصر ما قبل الإسلام، وهي امرأة من قبيلة جديس عرف عنها أنها ذات عينين زرقاوين وحادة البصر، إذ تملك قدرة خارقة تُمكّنها من الرؤية من مسافاتٍ بعيدة.
ويصف كثر زرقاء اليمامة بأنها "أسطورة عربية قديمة" لعرافة تم تجاهل نبوءاتها، وهي امرأة عاشت في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وتمتعت بعيون زرقاء وموهبة نادرة للتنبؤ بالمستقبل.
وتربط أغلب القصص المتداولة بين زرقاء اليمامة وقوة البصيرة، وفقاً للروايات كانت المرأة تستخدم موهبتها في حراسة قبيلتها من الهجمات، ولكن في نهاية القصة يُقال إن قبيلتها لم تصدق تحذيراتها مما أدى إلى هزيمتهم.
هل قصة زرقاء اليمامة حقيقية؟
تتضارب الحكاوي عن زرقاء اليمامة ومعها تتباين آراء المؤرخين وأساتذة التاريخ بين كونها قصة حقيقية أم أسطورية، وإن كان الأقرب أنها قد تكون شخصية حقيقية تحولت إلى أسطورة عبر الزمن.
وحكى أستاذ التاريخ السعودي فهد الدامغ أصل حكاية زرقاء اليمامة وتحدث عن حقيقة القصة، مؤكدا أنها ليست أسطورية كما يعتقد البعض.
وقال الدامغ، خلال استضافته في قناة "روتانا خليجية"، إن "زرقاء اليمامة امرأة شديدة البصر تنتمي لقبيلة (طسم) بالرياض وتزوجت من قبيلة جديس، وهي قصة حقيقية لكن تمت المبالغة فيها".
ووفقا لأستاذ التاريخ، فإن هذه السيدة تنتمي إلى مدينة "حجر اليمامة" التي يبلغ عُمرها نحو 2400 سنة على أقل تقدير.
ويذكر المؤرخون أن القصة بدأت عندما هب ملك اليمن بجيشه لقتال قبيلة "جديس" بعدما قضت على الملك الظالم عمليق، حاكم قبيلتي جديس وطسم، وكل أفراد طسم إذ لم ينج منهم سوى رباح بن مُرّة.
وذهب رباح بن مرة إلى ملك اليمن مُستنجدًا لكنه حذره من أخته زرقاء اليمامة، المتزوجة من جديس، إذ قال إنها شديدة الإبصار وأشار عليه باختباء الجنود وراء الأشجار حتى لا تراهم عند اقترابهم من قبيلة جديس مسيرة ثلاثة أيام؛ فإنها كانت تستطيع رؤية القادم من هذه المسافة.
وعندما رأت زرقاء اليمامة الشجر يتحرك هرعت إلى قومها تحذرهم، ووصفت لهم ما رأت من الشجر الذي يتحرك والرجال الذين يشتغلون بأكل الطعام وخصف النِعل؛ إلّا أنّ جديس لم تُصدقها على ذلك.
وبالفعل، عندما وصل ملك اليمن إلى جديس أوقع فيهم مقتلة عظيمة وأمر بقلع عيني زرقاء اليمامة بعد هزيمة جديس والقضاء عليها ثم صلبها على باب "جو"، اسم المدينة التي كانت تسكنها آنذاك، ثم عُرِفت باسم اليمامة بعد ذلك.
تأثير قصة زرقاء اليمامة في الثقافة العربية
قصة زرقاء اليمامة لها جذور في الأدب العربي القديم كما تعد جزءا من التراث الشعبي، وأغلب الكتب التي تحدثت عنها إما تطرقت إلى قصتها في الحرب بين طسم وجديس أو ذكرت بعضًا من صفاتها الجسدية والعقلية.
ومن بين الكتب التي تحدثت عن زرقاء اليمامة:
كتاب مُعجم البلدان: ذكر ياقوت الحموي زرقاء اليمامة في أكثر من موضع ضمن كتابه، إذ بيّنَ فيه اسم الجبل الذي رأت زرقاء اليمامة منه المُحاربين، كذلك ذكر شِدّة إبصارها.
كتاب تاج العروس من جواهر القاموس: يُعد هذا الكتاب أحد الكُتب التي ألّفها مُرتضى الزبيدي، وورد فيه أن اليمامة اسم لجارية زرقاء، وبيّن شِدّة بصرها وما ذكر من كونها أحد أشد خلق الله بصرًا.
كتاب مُعجم الشعراء: تُعرف زرقاء اليمامة باسم زرقاء جو أيضًا حسب كتاب مُعجم الشعراء، وذكر هذا الكتاب حِدّة بصرها، وبيّنَ بأن جو اسم لليمامة، وسرد قصتها مع بني جديس.
كتاب لسان العَرب: ذكر ابن منظور في لسان العرب أن اليمامة اسم لجارية زرقاء كانت تستطيع رؤية الراكب من مسيرة تبلغ ثلاثة أيام، وذلك عند بيان الجذر يمم.
كتاب الأغاني: قام أبو الفرج الأصفهاني بتأليف كتاب الأغاني، وفي هذا الكتاب ذكر بأن زرقاء اليمامة كانت ترى الجيش من مسافة تبلغ 30 ميلًا عربيًا، وأورد هذه الصفة عند ذكر هند بنت النُعمان.
أساطير وحكايات عن زرقاء اليمامة
دارت حول هذه المرأة العديد من الحكايات وضرب بها الأمثال في الكثير من الأحيان، لما تملكه من صفة أشبه بالأسطورية، وقدرتها على الرؤية من مسافات شاسعة بشكل يفوق الطبيعة البشرية العادية.
ومن بينها ما قيل عن كونها حادة البصر ويمكنها أن ترى على بعد 30 ميلًا، أو لمسافة 3 أيام، فضلا عما قيل بشأن قدرتها على الرؤية بالليل لمسافات أبعد مما تراه بالنهار.
وورد أن رباح بن مُرّة حذر ملك اليمن من رؤية أخته الحادة في الليل، إذ قال له: "مُرْ أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصاناً ويستتروا بها ليشبِّهوا على اليمامة وليسيروا ليلاً، فقال الملك: أوَ في الليل تبصر مثل النهار؟ قال: نعم أيها الملك، بصرها بالليل أنفذ".
وورد عن الأوائل أن أول من اكتحلت بالإثمد (حجر يتخذ منه الكحل) هي زرقاء اليمامة، كما ورد أن ملك اليمن عندما أمر باقتلاع عينيها وجد من شق داخلها عروقا سود من الإثمد التي كانت تكتحل به.
أغان شعبية عن زرقاء اليمامة
كانت زرقاء اليمامة محور العديد من الأشعار والأغاني الشعبية، بل وكانت مَضربَ المثل عند العرب قديما، لما ورد في قصتها من رؤية الجيوش البعيدة، ومن تلك الأمثال ما قيل: "أبصر من زرقاء اليمامة".
وهناك قصيدة حكيت خصيصا لزرقاء اليمامة تتكون من 6 أبيات، وتدور حول تحذيرها لقومها عندما رأت الجيش مُختبئًا وراء الشجر، ونصت على:
خذوا حذركم يا قوم ينفعكم.. فليس ما قد أرى بالأمر يُحتقر
إنى أرى شجرًا من خلفها بشرٌ.. وكيف تجتمع الأشجار والبشر
ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم.. فإن ذلك منكم فاعلموا ظفر
ضمّوا طوائفكم من قبل داهية.. من الأمور التي تُخشى وتُنتظر
فغوّروا كل ماء قبل ثالثة.. فليس من بعده ورد ولا صدر
وعاجلوا القوم عند الليل إذ رقدوا.. ولا تخافوا لهم حربًا وإن كثروا
aXA6IDMuMTQ0LjQ2LjkwIA==
جزيرة ام اند امز