خطف المنصوري الأضواء، ونال الحظ الأوفر من اهتمام الإعلام، كأنه الرائد الوحيد في الرحلة، ولعل مرد ذلك انتماؤه العربي
كان العالم مشدوداً خلال الأيام الماضية إلى قاعدة "بايكونور" الفضائية في كازاخستان، التي انطلقت منها مركبة "سويوز" متوجهة إلى محطة الفضاء الدولية، وعلى متنها الأمريكية جيسيكا مير، والروسي أوليغ سكريبوتشكا، والإماراتي هزاع المنصوري.
فعلاً، خطف المنصوري الأضواء، ونال الحظ الأوفر من اهتمام الإعلام، كأنه الرائد الوحيد في الرحلة، ولعل مرد ذلك انتماؤه العربي، فلم يسلك الطريق للفضاء قبلَه غيرُ عربيَّيْن، هما السعودي الأمير سلطان بن سلمان عام 1985 والسوري محمد فارس عام 1987 وطيلة العقود الزمنية الثلاثة التالية لهذا التاريخ لم يعتل أيُ عربي سفينةَ فضاءٍ قبل المنصوري.
ثلاثون عاما، لاحَقَ التشويهُ على امتدادها صورةَ العربي، الذي أضحى موسوماً بالتطرف، متهماً بالإرهاب إلى أن يثبت العكس؛ فكان طبيعياً، في مثل هذا السياق السياسي والإعلامي، أن تُحاطُ كل مشاركة علمية لعربي بهذه الهالة من الاهتمام الإعلامي عبر العالم؛ أما عربياً فيمكن تمييزُ ثلاثة مستوياتٍ من المتابعة لرحلة هزاع المنصوري للفضاء:
الحقيقة أن أي نجاح للإمارات العربية المتحدة يزعج هؤلاء؛ وتهرباً من الإجابة على أسئلة من قبيل: لماذا نجحت الإمارات في ابتعاث أحد أبنائها للفضاء؟ يلوذون بالطعن والتشكيك ومحاولات "التتفيه".
القسم الأول يمثله مواطنو دولة الإمارات وعموم المواطنين العرب، الذين ما زالت العروبة تعني لهم شيئاً.. الذين يفرحون ويفخرون بكل إنجاز عربي، بغض النظر عن الانتماء القُطري لصاحبه.
القسم الثاني يمثله الأطفال العرب، الذين وُلدوا في سنوات الانقطاع العربي عن الفضاء، وربما تَوَلّدَ لديهم شعور مريرٌ بأن ليس للعرب في الفضاء مكانٌ، ولا لهم إليه طريق.. ابني العائد من مدرسته سألني بشغف وحماس لم أعهده منه، ودون سابق مقدمات قال: كيف يمكن أن أكون مثل هزاع المنصوري؟ فأجبته أيضاً ودون أدنى تفكير قائلاً: "اجتهد وثابر في دراستك وستكون مثل هزاع المنصوري".
لفت سؤال الطفل العائد للتّو من المدرسة تفكيري إلى أن رحلة المنصوري ذات دلالة رمزية عميقة تتجاوز أبعادَها العلمية والبحثية، فهي تخلق القدوة لأجيالٍ من أطفال العرب، أصبح هزاع المنصوري مثالاً لهم ومحورَ حديثهم في مدارسهم بوصفه بطلاً عربيا، وهذا أمر يبعث الأمل، فأطفالُ زماننا هذا لديهم اهتماماتٌ مختلفة عنا، وقد تميل للسطحية والكسل، لتصل غالبا لحالة من اللامبالاة بالتحصيل العلمي، وهم بحاجة للتحفيز وتقديم القدوة.
صحيح أن عوامل كثيرة كرست هذه الحالة، منها حرصُ آباء التلاميذ على توفير حاجيات الأبناء المادية بإسرافٍ مبالغ فيه، فيصلُ الطفل سن البلوغ ولديه سيارة، وفي بعض الأحيان لديه بيت وحساب بنكي، وقد يكون لديه أسرة، إلى جانب ارتفاع مؤشر البطالة بين خريجي الجامعات الذي جعل الإحباط يتسلل إلى النفوس.
هذه العوامل مجتمعةً، علاوةً على غياب المحفز والقدوة، حمّلت المجتمع والحكومات مسؤولية كبيرة لتشجيع الأطفال على العلم، وهنا تكمن أهمية مهمة هزاع المنصوري، لتغرس في الأطفال العرب حب العلم والتطلع للتميز والنجاح.
القسم الثالث هم المشككون الساعون لتقزيم أي إنجاز لدولة الإمارات؛ فبذات الحدة التي انتقدوا بها مثلاً وثيقة الأخوة الإنسانية، رغم أن العالم كله أجمع على أهميتها، حاولوا التقليل من قيمة مهمة هزاع المنصوري للفضاء.. هؤلاء مسكونون بحقدٍ شعوبي، يكرهون كل ما هو إماراتي، ولا تمكن مقارنتهم سوى بمن كفروا بالإسلام لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عربي، وبعث بلسان عربي مبين، فرغم أنهم اقتنعوا برسالة الإسلام، لكن عروبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منعتهم من الإيمان به حسداً للعرب.
الحقيقة أن أي نجاح للإمارات العربية المتحدة يزعج هؤلاء؛ وتهرباً من الإجابة على أسئلة من قبيل: لماذا نجحت الإمارات في ابتعاث أحد أبنائها للفضاء؟ يلوذون بالطعن والتشكيك ومحاولات "التتفيه".
الإماراتيون نجحوا في هذه وغيرها، ليس بالتأكيد بالمال فقط، وإلا لوصل أحد أبناء الدول الأخرى الأغنى من الإمارات والأكثر منها موارد مالية.. هزاع المنصوري وصل للفضاء لأنه ينتمي لدولة تضع طموح مواطنيها في الأولويات، وتحث الخطى في الإنجازات، من أجل مصلحتهم وسعادتهم. دولة ينطبق عليها نموذج الدولة الوطنية الحقيقي.. دولة تكمن قوتها في العلاقة الصحيحة بين القادة والشعب؛ وهذا ما جعل الشيخ زايد -رحمة الله- عليه يطمح في أن يصل أبناؤه إلى الفضاء، رغم أن ذلك كان حينها ضربا من الخيال؛ ولولا التأسيس الصحيح للركائز التي بُنيت عليها الدولة لما استطاعت تحقيق طموح مؤسسها.
رحم الله الشيخ زايد فقد نقل طموحاته لأبناء الإمارات لتكون طموحا لأبنائه العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة