الشيخ زايد.. رمز العطاء ومدرسة العمل الإنساني العالمي
"يوم زايد للعمل الإنساني" يعد علامة فارقة في تاريخ الإمارات ومناسبة للاحتفال بما حققته من إنجازات من خلال المساعدات التي تقدمها للدول.
تحتفي الإمارات بـ"يوم زايد للعمل الإنساني"، الجمعة، الذي يصادف 19 رمضان من كل عام، والموافق لذكرى رحيل مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ويعد "يوم زايد للعمل الإنساني" علامة فارقة في تاريخ الإمارات ومناسبة للاحتفال بما حققته من إنجازات على صعيد العمل الإنساني، من خلال المساعدات التي تقدمها للدول والشعوب الأخرى، كما يعد مناسبة لإطلاق العديد من المبادرات الإنسانية والخيرية الحيوية والنوعية عبر مئات الفعاليات الحكومية والمجتمعية التي تنظمها المؤسسات العامة والخاصة والأهلية.
ويسجل التاريخ للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أنه نجح في تحويل العمل الإنساني في الإمارات إلى أسلوب حياة وسلوك حضاري تتناقله الأجيال، عبر مأسسة العمل الإنساني وإكسابه صفة الشمولية، إذ لا يقتصر على تقديم المساعدات المادية، وإنما يمتد إلى التحرك إلى مناطق الأزمات الإنسانية والتفاعل المباشر مع مشكلاتها.
وارتقى الوالد المؤسس بقيمة وحضور العمل الخيري، ليحوله إلى أحد أهم أبعاد السياسة الخارجية للإمارات، التي تتوجه بالعون والمساعدة إلى كل البشر أينما وجدوا دون النظر إلى دينهم أو عرقهم، كما أصبحت الإمارات في عهده من أهم الدول المساهمة في العمل الإنساني والإغاثي على مستوى العالم، وها هي اليوم بفضل إرثه تحتل، وللسنة السادسة على التوالي، المركز الأول عالميا كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية.
استحوذت القضايا الإنسانية والخيرية على مكانة متقدمة في فكر واهتمام الشيخ زايد، سواء كان داخل الإمارات أم خارجها، وبلغ حجم المساعدات التي قدمتها الإمارات بتوجيهات منه في شكل منح وقروض ومعونات شملت معظم دول العالم أكثر من 98 مليار درهم حتى أواخر عام 2000.
وترأس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1981 القمة التي شهدت الإعلان عن ميلاد مجلس التعاون الخليجي من دول الخليج العربية الـ6، وحينها قدم صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي قرضين لدولة البحرين بقيمة 160 مليون درهم لتمويل المشروعات الكهربائية والصناعية.
وعام 1972 قرر الشيخ زايد مساعدة اليمن بإنشاء إذاعة صنعاء، وفي 1974 قدم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مبلغاً إضافياً قدره مليون و710 آلاف دولار لتكملة مشروع الإذاعة والتلفزيون في صنعاء.
وبتوجيهات منه، قدمت الإمارات مساعدة عاجلة وقدرها 3 ملايين دولار لتخفيف آثار الفيضانات والسيول التي اجتاحت جمهورية اليمن في تسعينيات القرن الماضي.
بينما يعد مشروع ضاحية الشيخ زايد في القدس، الذي تكلف نحو 15 مليون درهم، واحدا من أبرز المشاريع التي وجه بتنفيذها في فلسطين، إلى جانب مشاريع أخرى منها إعمار مخيم جنين الذي تكلف إنشاؤه نحو 100 مليون درهم، وبناء مدينة الشيخ زايد في غزة بتكلفة 220 مليون درهم، ومدينة الشيخ خليفة في رفح، والحي الإماراتي في خان يونس، إضافة إلى العديد من المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية ومراكز المعاقين التي انتشرت في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
مساعدات الشيخ زايد للدول العربية
ترك المغفور له الشيخ زايد أثراً طيباً في مصر، إذ تعددت على ضفاف النيل مشاريع كثيرة، منها بناء عدد من المدن السكنية السياحية واستصلاح عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية وإقامة العديد من القرى السياحية وتقديم الدعم المادي للمراكز والمستشفيات الطبية.
وتكفل بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بمساعدة مصر على إعادة إعمار مدن قناة السويس "السويس- الإسماعيلية- بور سعيد" التي دُمرت في العدوان الإسرائيلي عليها عام 1967.
وخلال مشاركته في الاحتفال التاريخي العالمي الذي أقيم في مدينة أسوان المصرية 1990، تبرع المغفور له الشيخ زايد بمبلغ 20 مليون دولار لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة.
تبرعات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لم تقتصر على الدول السابقة، إذ أراد أن تتجاوز العلاقات بين الإمارات والمغرب حدود المألوف، فكانت مبادراته المتتالية التي مثلت الدافع القوي للنهوض بعشرات المشاريع الشامخة أمام الأعين حاملة اسم "زايد".
ومن بين هذه المشاريع، مؤسسة الشيخ زايد العلاجية وتطوير مركز "مريم" الخاص برعاية الطفولة وإنشاء وحدات سكنية متكاملة، وقدم صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي عام 1976 قرضاً بقيمة 40 مليون درهم لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة المغربية.
وشكلت مساعدات ومكارم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى السودان أبرز ملامح العطاءات الخيرية، إذ تبرع بإنشاء كلية الطب ومستشفى ناصر بمدينة ود مدني السودانية وبمبلغ 3 ملايين دولار أمريكي؛ لحل مشكلة العطش في السودان، كما قدم صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي قرضاً بقيمة 5.16 مليون درهم لمشروع التنمية الريفية في منطقة دارفور بغرب السودان.
وفي 1999 وصلت إلى الخرطوم طائرة الإغاثة الثانية لمساعدة المتضررين من الفيضانات التي اجتاحت ولاية دنقلا السودانية، وعلى متنها 40 طناً من المساعدات الغذائية.
وحرص الشيخ زايد على مساعدة لبنان، من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة، وكذلك اهتم بلعب الإمارات دورا فاعلا في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب، فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية.
ونالت سوريا في عهد الشيخ زايد قسطا وفيرا من دعم المشاريع الخيرية والتنموية، إذ وقع صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي في دمشق 3 اتفاقيات مع سوريا لتمويل 3 مشاريع صناعية بقيمة 911 مليون درهم.
وفي باكستان تقف مدن كراتشي ولاهور وبيشاور شامخة مزهوة بالمراكز الإسلامية الـ3 التي أقامها الشيخ زايد لنشر الثقافة الإسلامية والعربية بين أبناء باكستان، إضافة إلى تمهيد وتوسيع الطريق الجبلي من مدينة خاران وبناء مسجد دالي وحفر آبار المياه وبناء المساجد والمدارس والمساكن.
وتبرع في 1982 بمبلغ 500 ألف دولار لمشروع مبنى الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة في كراتشي، كما وجه بتقديم المساعدات الطبية والمنح الدراسية والمساعدات العاجلة إلى ضحايا الزلازل والفيضانات.
واتسعت مروحة المشاريع الخيرية الإماراتية في عهد الشيخ زايد ولم تقتصر على الدول العربية والإسلامية، بل امتدت لتشمل عددا من دول العالم المتقدم، ففي عام 1992 تبرعت الإمارات بـ5 ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي، لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار أندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا.
ويسجل التاريخ مواقف مشرفة للشيخ زايد في نصرة ودعم شعب البوسنة والهرسك، خلال تعرضه لأبشع جرائم الحرب في تسعينيات القرن الماضي، إذ وجه في 26 أبريل/نيسان 1993 بتقديم مبلغ 10 ملايين دولار لإغاثتهم من الأوضاع المأساوية التي يمرون بها.
وأمر بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية والطبية إلى البوسنة، ووجه باستقبال أفواج من الجرحى لعلاجهم بمستشفيات الدولة، وتكفل بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل وتوفير فرص العمل لهم.
وفي مايو/أيار 1990 وقع المغفور له الشيخ زايد الاتفاق لإقامة مطبعة إسلامية في العاصمة الصينية بكين، بمنحة من الشيخ زايد لدعم أنشطة المسلمين الصينيين ونشر الدعوة الإسلامية بتكلفة 3.1 مليون درهم، كما تبرع بنصف مليون دولار لدعم جمعية الصداقة بين الإمارات والصين.
وفي 1999 وبتوجيهات من الشيخ زايد، غادرت مطار أبوظبي طائرة إغاثة متجهة إلى اليونان لمساعدة المتضررين من الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد.
وبتوجيهات منه عام 2000، بدأ الهلال الأحمر الإماراتي توزيع الأضاحي بجمهورية أنجوشيا على النازحين الشيشان، كما قدمت مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية 145 طناً من المساعدات الغذائية للمتضررين من المجاعة التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي، كذلك قرر مجلس الوزراء تقديم مساعدة عاجلة بقيمة 100 ألف دولار لمنكوبي الزلزال الذي ضرب بجواتيمالا.
ويعد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أحد أبرز القادة الداعمين للمنظمات الدولية، وشكلت مساهماته وتبرعاته عاملا رئيسيا في إنجاح مساعي هذه المنظمات ومبادراتها الإنسانية في مختلف دول العالم، فبعد قيام الاتحاد تبرع بمبلغ 50 ألف دولار لدعم أنشطة منظمة "يونيسيف" في برامجها الهادفة لمساعدة الطفولة.
وتبرعت الإمارات بمبلغ وقدره 424 ألف دولار لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و100 ألف دولار لصندوق رعاية الطفولة "اليونيسيف"، و54 ألف دولار لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وأعلن زيادة رأسمال صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي بمقدار 4 أضعاف ليصل إلى 500 مليون دولار.
في 1974 قدمت الإمارات دفعة مالية جديدة للبنك الإسلامي للتنمية بلغت 10 ملايين دينار إسلامي؛ ليرتفع مجموع مساهمات الإمارات في البنك إلى 110 ملايين دينار، كما قدمت قرضاً دون فوائد إلى منظمة يونسكو تبلغ قيمته مليونين و400 ألف دولار، وفي 1982 منح صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي قرضاً لمنظمة دول حوض نهر السنغال قيمته 259 مليون درهم.
جوائز وأوسمة
حصل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على أوسمة ونياشين من مختلف دول العام؛ تقديرا لما قدمه من خدمات جليلة للإنسانية، ففي 1985 منحت المنظمة الدولية للأجانب في جنيف "الوثيقة الذهبية" للشيخ زايد باعتباره أهم شخصية لعام 1985؛ لدوره البارز في مساعدة المغتربين على أرض بلاده وخارجها في المجالات الإنسانية والحضارية والمالية.
وفي 1988، اختارت هيئة "رجل العام" في باريس الشيخ زايد؛ تقديرا لقيادته الحكيمة والفعالة ونجاحه المتميز في تحقيق الرفاهية لشعب الإمارات وتنمية بلاده أرضا وإنسانا، جعلها دولة متطورة متقدمة.
في 1993 منحت جامعة الدول العربية "وشاح رجل الإنماء والتنمية" للشيخ زايد، وفي 1995 قدمت جمعية المؤرخين المغاربة للشيخ زايد بن سلطان "الوسام الذهبي للتاريخ العربي"؛ تقديرا منها لجهوده في خدمة العروبة والإسلام، واعترافا بأياديه البيضاء على العلماء واعتزازا بشغفه بعلم التاريخ والدراسات التاريخية.
وعام 1995 اختير الشيخ زايد "الشخصية الإنمائية لعام 1995" على مستوى العالم، من خلال الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الأوسط للبحوث ودراسات الإعلامية في جدة، وشارك فيه أكثر من نصف مليون عربي، وفي 1996 أهدت منظمة العمل العربية درع العمل للشيخ زايد تقديرا من المنظمة للدور الرائد له في دعم العمل العربي المشترك.
حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على استحداث أطر قانونية وتنظيمية تضمن تحويل عمل الخير إلى منظومة مؤسسية متكاملة تتبناها الجهات الحكومية والخاصة.
وتشمل الجهات المانحة الحكومية في الإمارات اليوم عددا كبيرا من المؤسسات، في مقدمتها مجلس الوزراء، ووزارات الداخلية، وشؤون الرئاسة والخارجية والتعاون الدولي، والقوات المسلحة، ودائرة المالية - أبوظبي والقيادة العامة لشرطة أبوظبي والقيادة العامة لشرطة دبي، والمشروع الإماراتي لدعم وإعادة إعمار لبنان، إضافة إلى المؤسسات الخيرية، من بينها مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، وصندوق أبوظبي للتنمية، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي.