أوكرانيا بين طبطبة بايدن ومخاوف أوروبا.. الحرب على أحبال الكونغرس
يقول المسؤولون في كييف إنه إذا نقصت المساعدات العسكرية الأمريكية، فسوف يموت المزيد من الأوكرانيين، فهل ما زالت واشنطن على وعدها؟
عندما أقرّ الكونغرس الأمريكي، قبل يومين، اتفاق اللحظة الأخيرة لتجنب إغلاق الحكومة، فقد فعل ذلك على حساب إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن: المساعدات لأوكرانيا.
اتفاقٌ مؤقت في الكونغرس جاء لمواصلة تمويل الحكومة الأمريكية لمدة ستة أسابيع فقط بعد أن تخلى رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي (الذي تمت إقالته الليلة الماضية) عن 6 مليارات دولار من المساعدات الإضافية لأوكرانيا - وهي مساعدة عارضتها الأقلية اليمينية من الجمهوريين في مجلس النواب - للمضي قدمًا في الصفقة.
ومن المقرر أن يبدأ الكونغرس مفاوضات جديدة بشأن حزمة تمويل منفصلة لأوكرانيا في المستقبل، ولا تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين والديمقراطيين في "الكابيتول هيل" تؤيد إرسال المزيد من المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا.
وفي مداخلة له من البيت الأبيض، الأحد، أكد بايدن أن بلاده لن تتخلى عن أوكرانيا رغم ما توصل له الكونغرس. مطالبا الجمهوريين ب"وقف الألاعيب" على هذا الصعيد.
ومع ذلك، هناك شعور متزايد بعدم الارتياح في مؤسسة الأمن القومي في واشنطن وكذلك في كييف بشأن هذه الملحمة، بحسب "فورين بوليسي" الأمريكي.
إذ ينظر العديد من المسؤولين على ضفتي الأطلسي إلى ملحمة إغلاق الحكومة الأمريكية باعتبارها علامة على تلاشي عزم الولايات المتحدة على دعم دفاع أوكرانيا ضد الهجوم الروسي واسع النطاق.
وقبل التوصل إلى اتفاق تجنب إغلاق الحكومة، قال بايدن: “لا يمكننا، تحت أي ظرف من الظروف، السماح بانقطاع الدعم الأمريكي لأوكرانيا”.
معارك سياسية وعواقب وجودية
أوكرانيا كانت قد تلقت حوالي 44 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، وفقا لبيانات وزارة الخارجية، أي أكثر من سبعة أضعاف ميزانية الدفاع في كييف قبل الحرب، فهل ستؤدي المعارك السياسية في واشنطن إلى عواقب وجودية على أوكرانيا؟
وخلال الأشهر الماضية، تعثر الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في الربيع الأوكراني إلى حد كبير في غابة من الخطوط الدفاعية الروسية الكثيفة، مع تحقيق اختراقات محدودة تنبئ بحرب طويلة قادمة.
وتعمل روسيا على تكثيف إنتاجها من المدفعية وغيرها من الذخائر، في حين تحتاج أوكرانيا إلى المزيد من القوة النارية من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، مع تأخر الصناعات الدفاعية الأوروبية في الدخول إلى الخدمة بعد عقود من تباطؤ الإنفاق الدفاعي.
يقول يهور تشيرنييف، النائب الأوكراني الذي يعمل في لجنة الأمن القومي في البلاد: "نشعر بأننا رهينة للصراع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة". "إذا تأخرت المساعدة، فهذا يعني انخفاضا حادا في قوتنا النارية وزيادة في الخسائر البشرية".
ويرى أنصار أوكرانيا أن الشكوك التي تتجذر في بعض أجنحة الحزب الجمهوري بأمريكا تصب في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وستؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها وتؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في أوروبا.
يأتي ذلك في وقت، نقلت فيه صحيفة "تليغراف"، عن قائد عسكري كبير قوله إن المعدات الدفاعية البريطانية التي يمكن أن تتبرع بها لندن إلى أوكرانيا "نفدت"، وأكد أنه يتعين على الدول الأخرى التدخل وتحمل مزيد من العبء.
تصريحٌ يأتي بعدما كشف وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس أنه طلب من رئيس الوزراء ريشي سوناك إنفاق 2.3 مليار جنيه استرليني إضافية لدعم أوكرانيا، وذلك قبل استقالته من منصبه الشهر الماضي.
الروس.. على ماذا يعولون؟
في المقابل، تقول المجلة الأمريكية، إن الروس يرون أن الأمل في الحصول على نتائج انتخابات إيجابية العام المقبل، يجعلهم يواصلون الحرب، على الأقل حتى الانتخابات.
وفوق كل ذلك، إذا كان لا يزال هناك ضعف في الدعم، فإن ذلك يشجعهم على مواصلة الحرب وتعريض الغرب بأكمله للخطر.
ويبرر معارضو المساعدات الإضافية مواقفهم بأن الولايات المتحدة قدمت بالفعل مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والأسلحة لأوكرانيا ويقولون إن الوقت قد حان لإعادة تخصيص الموارد الحكومية للمشكلات الأقرب إلى الوطن، مثل الحدود الجنوبية والاستعداد لمواجهة جيوسياسية جديدة ضد الصين.
وقد تزايدت هذه الحجة مع بدء الجاذبية السياسية في التأثير على حملة أوكرانيا لصد الهجوم الروسي واسع النطاق، مما ترك المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالقلق سرا من أن بداية موسم الانتخابات لعام 2024 ستكون نقطة انعطاف للمستويات التاريخية للعنف.
وقال مسؤول ألماني، تحدث للمجلة شريطة عدم الكشف عن هويته للحديث بصراحة عن المداولات السياسية الداخلية لدولة أخرى: "هذا بالتأكيد يلقي بظلاله على تصميمنا الغربي الجماعي”.
ومن خلال سلطته على التمويل الحكومي، يمكن للكونغرس أن يصنع أو يحطم مستقبل المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، التي يُنظر إليها على أنها واحدة من أهم أجزاء استراتيجية كييف في الحرب.
وبعيدا عن المستويات التاريخية للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، تنفق الولايات المتحدة حالياً ما يقرب من 3 مليارات دولار لدعم صناعة الدفاع في أوكرانيا والمساعدة في سد العجز في ميزانيتها مع توفير المساعدات الإنسانية ومساعدات الطاقة.