التوغل في كورسك.. هل تدري أوكرانيا حقا ما تفعله؟
لا تزال الأهداف الاستراتيجية لأوكرانيا فيما يتعلق بالتوغل في كورسك غير واضحة، وربما غير محسوبة المخاطر في نهاية المطاف.
وأثار توغل أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية العديد من التساؤلات، لماذا ترسل آلاف القوات شمالاً في وقت تخسر فيه أراضيها في أماكن أخرى؟ ولماذا تشجع موسكو على تعزيز منطقة حدودية كانت هادئة نسبياً، وبالتالي خلق معضلة أمنية طويلة الأجل لأوكرانيا؟ لماذا لا ننتظر حتى تصبح الوحدات الأوكرانية في الشرق والجنوب قوية بما يكفي للاستفادة من أي سحب للقوات الروسية نتيجة عملية في الشمال؟
وبحسب مجلة "فورين بوليسي"، فأيا كانت أهداف كييف الفعلية فإن العملية تحمل رؤى مهمة فيما يتعلق بالمسار الطويل الأجل للحرب، ومن الممكن -إن لم يكن مؤكداً بعد- أن يكون هجوم كورسك ليس مجرد مناورة انتهازية بل جزءاً من حملة عسكرية أوسع نطاقاً قد تمتد إلى عام 2025، مما يمهد الطريق عمداً لعمليات في أماكن أخرى.
كما يبدو أيضا أن الهجوم يقدم دليلا على قدرة أوكرانيا على الاستفادة من التدريب الغربي بطريقة لم نشهدها خلال الهجوم المضاد الفاشل في عام 2023، أي من خلال استخدام حرب المناورة بالأسلحة المشتركة بطريقة تصدم الخصم وتربكه وتهزمه في نهاية المطاف.
تشير المجلة إلى أن الهدف الرئيسي للهجوم على كورسك -الذي مضى عليه عشرة أيام اعتباراً من السادس عشر من أغسطس/آب- ليس سياسيا فقط، إنما يهدف إلى تعزيز موقف كييف التفاوضي في محادثات السلام (غير القائمة)، وضمان استمرار المساعدات الغربية الإضافية، وتقويض سلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في الداخل، أو تسهيل تبادل الأسرى.
لكن قرار إرسال آلاف القوات شمالاً في عملية محفوفة بالمخاطر إلى الأراضي الروسية في الوقت الذي تفقد فيه أوكرانيا قواتها بالجنوب والشرق لأسباب سياسية بحتة يبدو مثيرا للشكوك في أفضل تقدير.
كما تحمل تصريحات بعض المسؤولين الأوكرانيين أن عملية كورسك تهدف إلى عرقلة تدفق القوات من أماكن أخرى في روسيا إلى منطقة دونيتسك الشرقية في أوكرانيا، تحمل قدرا كبيرا من الشكوك أيضا، للنطاق المحدود نسبياً للعملية حتى الآن وغياب أي أدلة على تدمير خطوط السكك الحديدية الرئيسية أو الطرق أو غيرها من البنية الأساسية للنقل أو المنصات المتعلقة بتدفق الأفراد والمعدات إلى دونيتسك.
لكن هناك أسبابا أخرى، فكما أشار بعض المسؤولين الأوكرانيين فإن العملية تبدو مصممة لتخفيف الضغط على القوات الأوكرانية في الجنوب والشرق.
ولكن حتى إن خُفِّف الضغط فمن غير المرجح أن تمتلك القوات الأوكرانية في الشرق والجنوب الوسائل اللازمة لشن هجوم مضاد، على الأقل في الأمد القريب.
وهناك سببان وراء ذلك، أولاً هناك أدلة تشير إلى أن الوحدات الأوكرانية التي تحاول الصمود في الشرق والجنوب منهكة وتفتقر إلى العدد الكافي من الجنود، وسوف تجد القوات المنهكة التي لا تتمتع بميزة عددية على المدافع صعوبة في تحقيق النجاح، وثانياً حتى إن كانت تلك الوحدات الأوكرانية قادرة على إلغاء المكاسب الروسية التي حققتها في الأشهر القليلة الماضية، فإن نفس التحصينات الروسية العميقة -الخنادق، وخنادق الدبابات، وحقول الألغام- التي أحبطت عمليات أوكرانيا الهجومية المضادة في عام 2023 تقع خلف تلك المكاسب مباشرة.
وعلى الرغم من النجاح الواضح الذي حققه الهجوم حتى الآن فإن العمليات الأوكرانية في كورسك وحدها من غير المرجح أن تغير بشكل كبير مسار الصراع في الأمد القريب، ومن المرجح أن يطرد الجيش الروسي القوات الأوكرانية في نهاية المطاف، والواقع أن الإحراج الذي تشعر به روسيا -على المستويين السياسي والاستراتيجي والعملياتي- الناجم عن هجوم كورسك قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوجود العسكري الروسي في كورسك والمناطق المجاورة على طول الحدود الشمالية لأوكرانيا.
وفي نهاية المطاف قد يؤدي هذا إلى إحداث صداع لكييف، حيث سيُطلب منها تعزيز دفاعاتها في الشمال، وربما على حساب وحدات في الجنوب والشرق.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA== جزيرة ام اند امز