زلزال سياسي في كييف.. هل ينجو زيلينسكي من العاصفة؟
واجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أسبوعا مضطربا وضع مسيرته السياسية أمام اختبار حاسم.
فخلال الأيام السبعة الماضية، فقد مدير مكتبه وأكد الروس أنهم سيطروا على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية، وصعد الأمريكيون مطالبهم بتقديم تنازلات إقليمية من أجل السلام.
وصباح الثلاثاء، هاجم نواب المعارضة في البرلمان الأوكراني رئيس البرلمان لعرقلة ميزانية زيلينسكي المقترحة وسط مطالب باستقالة الحكومة، وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "تليغراف" البريطانية.
ويسعى زيلينسكي للظهور كشخص ثابت على موقفه، فكتب على وسائل التواصل الاجتماعي بعد جلسة استماع مع فريق التفاوض الأوكراني العائد من محادثات أمريكا "تتعامل أوكرانيا مع جميع الجهود الدبلوماسية بأقصى درجات الجدية.. نحن ملتزمون بتحقيق سلام حقيقي وأمن مضمون" وبعدها وصل إلى إيرلندا في أول زيارة رسمية له إليها منذ بدء الحرب.
لكن خلف الكواليس، فإن مصير زيلينسكي على المحك فهل سيستمر في قيادة الحرب، أم، كما فعل من قبله رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ستنتهي قيادته للبلاد حتى قبل أن يعم السلام؟
ولسنوات، كان فولوديمير زيلينسكي ومدير مكتبه أندريه يرماك لا ينفصلان وبالتالي فإن استقالة صديقه يوم الجمعة الماضي، عقب مداهمة مكتبه من قبل مسؤولي مكافحة الفساد، ستترك فراغًا ضخمًا في قلب الرئاسة.
وقال فولوديمير فيسينكو، مدير مركز الأبحاث السياسية "بينتا" في كييف "من الناحية الفنية، نعم يمكن لزيلينسكي الصمود.. حيث يظهر العلم أنه يمكنك الاستمرار في العيش بدون ذراعك اليمنى".
وأضاف "في الواقع، سيكون هذا البتر السياسي إيجابيًا للرئيس من نواح عديدة، لأنه سيزيل أزمة سياسية داخلية قد تكون كارثية، ويلبي مطالب جمهور سياسي واسع يشعر بالنفور من يرماك.. لكن هذا لا يعني أن زيلينسكي لن يعاني نتيجة لذلك".
وبالفعل، تضررت مكانة زيلينسكي في الداخل بسبب فضيحة الفساد المزعومة بقيمة 100 مليون دولار في شركة "أوركينيرجو" الرئيسية للطاقة والتي أطاحت بيرماك رغم نفيه لارتكاب أي مخالفات وعدم تسمية كمشتبه به في التحقيق.
وفي حين استغلت روسيا الفضيحة لأغراض دعائية، كانت الضربة الأوضح لسلطة زيلينسكي لأن يرماك، صديقه القديم من عالم الفن، استمد سلطته من سلطة الرئيس نفسه وبالتالي فإن إسقاطه دليل على أن الزعيم الأوكراني نفسه ليس محصنا.
ويشعر خصوم زيلينسكي، مثل الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، ونواب المعارضة، وحتى بعض أعضاء حزب "خادم الشعب"، بالثقة بعد سقوط يرماك وهو ما يعد أحدث مؤشر على أن الهدنة السياسية غير الرسمية، الصامدة منذ اندلاع الحرب في 2022، تتعرض لضغوط.
وتعكس إمكانية الطعن في سلطة زيلينسكي على المستوى الرسمي تراجع شعبيته بين عامة الناس والحقيقة هي أن الكثير من الأوكرانيين يتذمرون منه سرًا.
وأظهرت أحدث استطلاعات الرأي المتاحة، والمنشورة في أكتوبر/تشرين الأول، أن ربع الشعب فقط يعتقد أن زيلينسكي يجب أن يبقى في السلطة بعد انتهاء الحرب ولعل زيلينسكي نفسه، يعرف ذلك وأعلن أنه لن يترشح لولاية جديدة بعد الحرب.
كما تشير التقارير إلى استطلاعات رأي داخلية غير منشورة تفيد بأن ثقة الشعب بالرئيس قد انخفضت بشكل كبير في أعقاب فضيحة الفساد لذا، فإن عزل يرماك قد ينهي الفساد الآن، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى انتشاره ليهدد زيلينسكي نفسه.
وكانت التهمة السياسية الموجهة إلى يرماك هي احتكاره للسلطة وإطاحته بشكل منهجي بأي مسؤول آخر يتمتع بقدر ضئيل من التفكير المستقل أو الشعبية الشخصية.
ومثل العديد من النواب الأوكرانيين، تشعر سولوميا بوبروفسكا، النائبة عن حزب "هولوس" المعارض بأن يرماك بنى آلية لتجاوز البرلمان وتحييده وقالت إن خليفته قد يعيد بناء العلاقات بين البرلمان والمكتب الرئاسي.
واعتبر فيسينكو أن الخطر الحقيقي على زيلينسكي سيأتي إذا كشف محققو مكافحة الفساد عن أدلة تورطه مباشرة في فضيحة فساد شركة أوكرينيرجو أو إذا استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوسط في اتفاق سلام ومع ذلك، طالما استمرت الحرب، لا تستطيع أوكرانيا قانونيًا، ولا عمليًا، إجراء انتخابات.
وتقول روسيا إن عدم إجراء انتخابات يجعل زيلينسكي غير شرعي لأنه تجاوز مدة ولايته في زمن السلم من انتخابات عام 2019 لكن هذا الادعاء لا يحظى بقبول كبير لدى الناخبين الأوكرانيين حتى بوروشينكو يصر على أن زيلينسكي هو القائد الأعلى الشرعي ديمقراطيًا.
ومع ذلك فإن أوكرانيا لا يمكنها تعليق الديمقراطية إلى أجل غير مسمى وقد تضطر في مرحلة ما إلى إيجاد طريقة لإجراء انتخابات بينما تخوض غمار الحرب وسيكون المستفيد الرئيسي من ذلك هو المنافس الوحيد الموثوق لزيلينسكي وهو قائد الجيش السابق والسفير الحالي في لندن فاليري زالوزني.
لكن زالوزني يلتزم الصمت المطبق حاليًا، ويقتصر تعليقاته العامة على مقالات رأي باهتة حول أهمية النصر واستمرار الدعم للبلاد.
وربما يكون هذا هو السبب وراء حديث الكثيرين في كييف عن حل وسط، أي حكومة وحدة وطنية على غرار حكومة تشرشل، تضم أعضاء من جميع الأحزاب ويقولون إن رحيل يرماك يتيح فرصة للتحول إلى نهج أكثر جماعية في إدارة شؤون الحكم في زمن الحرب.
وقال مسؤول سابق إن هذا النهج لن يكون مثاليًا، لكنه سيعالج العجز الديمقراطي لفترة أطول قليلا على الأقل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE5IA== جزيرة ام اند امز