أكبر رؤساء العالم سنا.. موجابي بين مرقده السلطوي أم المنفى؟
ما يؤرق موجابي اليوم، وسط تساقط حلفائه، ما إذا كان سيُبعث، للمرة الأخيرة، من مرقده السلطوي
سواء كان ما شهدته زيمبابوي، فجر الأربعاء، انقلابا عسكريا مغلفا، أو تحديا من جنرالات الجيش، للمرة الأولى، لسلطة زعيمها روبرت موجابي، تبقى الخلاصة أن عقود سلطته الأربعة، باتت على المحك.
المفارقة في مسيرة موجابي، أنه وصل السلطة، غداة انعتاق بلاده من المستعمر البريطاني، كزعيم منتخب، ناضل من أجل استقلال بلاده، قبل أن يحولها تدريجيا إلى واحدة من أقسى الديكتاتوريات، كما يقول خصومه.
عند تلاوته بيان الاستقلال عام 1980، سعى الرجل إلى محاكاة الزعيم الجنوب أفريقي، نيسلون مانديلا، الذي أطاح بنظام الفصل العنصري في بلاده، وهو يُبدي سماحة تجاه البيض، المدعومين من المستعمر.
ومشيرا إلى انعدام النية في الانتقام، قال موجابي، الذي درس في ذات الجامعة التي تلقى فيها مانديلا تعليمه، "في هذه المناسبة، فإن شعبنا، رجالا ونساء، بيض وسود، متحدون في شكل جديد من أشكال الوحدة الوطنية التي تجعل الجميع زيمبابويين".
لكن الخلاصة لم تكن استهداف البيض لاحقا، بل حتى بقية المكون الأفريقي الذي يعارض أيدلوجيته السياسية الصارمة.
وشيئا فشيئا، تحولت صورته كقائد، أنفق 11 عاما من عمره مسجونا، نظير كفاحه من أجل حرية شعبه، إلى عجوز، ليس متشبثا فقط بالسلطة، رغم سنواته الـ93، بل طامعا في وراثة زوجته للرئاسة.
مطامع وضعته في مواجهة حلفائه العسكريين، الذين ساءهم عزله لنائبه، إمرسون منانجاجوا، في خطوة يُعتقد أن دافعه إليها، إزاحة أكبر عقبة في الطريق الرئاسي لعقيلته، جريس موغابي.
وتلت إقالة منانجاجو، حملة إقصاءات ضد أنصاره في الحزب الحاكم، على يد جناح تتزعمه جريس البالغة من العمر 52 عاما.
وردا على ذلك، هدد قائد الجيش كونستانتينو تشيونجا، الذي يحتفظ كما غالب الجنرالات، بعلاقات متينة مع منانجاجو، بالتدخل ما لم تتوقف هذه الحملة.
وبعد يوم من تهديده، كانت حاملات الجنود تجوب شوارع رئيسية في العاصمة، بعد سيطرة وحدة منها على هيئة البث الرسمية، والتأكيد على أن تحركهم ليس انقلابا، بل يستهدف "مجرمين" مقربين من الرئيس.
لكن اتهام الحزب الحاكم لقائد الجيش بالخيانة، قبل ساعات من بدء التحرك العسكري، غذّى التكهنات بحدوث انقلاب، رغم إعلان العسكريين لاحقا، أن موجابي وأسرته بخير.
وشمل التحرك العسكري، اعتقال وزير المالية إجناشيوس تشومبو، أحد أبرز السياسيين المتحالفين مع جريس، وسط تبادل لإطلاق النار ودوي انفجارات، تحدث عنها شهود عيان من العاصمة هاراري.
وفي حين لم ترد بعد معلومات إضافية، نقل التلفزيون الرسمي عن متحدث عسكري قوله إن الأمور ستعود إلى طبيعتها، بمجرد إكمال الجيش لمهمته.
ونقلت وكالة رويترز عن معلقين سياسيين قولهم إن الجيش يرغب في طرح تحركه كخطوة أبعد ما تكون عن انقلاب كامل، لتفادي الانتقادات من قبل أفريقيا الحريصة على الابتعاد عن تدخل العسكريين في السياسة.
ويعتقد أليكس ماجايزا الأكاديمي الزيمبابوي المقيم في بريطانيا، أنه من الصعوبة الدفاع عن انقلاب في الداخل ووسط المجتمع الدولي، لذا سيرغب العسكريون، تفادي ذلك.
وبالنسبة إلى موجابي، الذي لم يظهر علنا حتى اللحظة، لم تعد الخطورة في معارضة رفاقه في حرب الاستقلال، في انتقال السلطة إلى شخص لم يخض معهم تلك الحرب، بل إن كان سيستمر رئيسا عندما يحتفل العام المقبل بعيد ميلاده الـ 94.
فبغض النظر عن مآلات تحرك الجيش، إلا أنها مؤشر على تراجع قبضة موجابي، بحكم سنه، وما تجرّه من مشاكل صحية، كما يقول معارضوه، عززت الصراع العلني حول خلافته.
وبالمقابل، قال الرئيس الزيمباوبي، للتدليل على عافيته، في 2011، إنه "يشعر بالإعياء، ما لم يمارس التمرينات الرياضية".
ومستهزئا بالشكوك حول قدرته على حكم البلاد، صرح الرجل، المنحدر من أسرة كاثولوكية ملتزمة، "لقد مُت عدة مرات، وهذا يجعلني أتفوق على المسيح، فهو مات وبُعث مرة واحدة، بينما أنا فعلت ذلك أكثر من مرة".
وسواء كان قادرا على أداء مهامه كرئيس أم لا، فإن ما يؤرق موجابي اليوم، وسط تساقط حلفائه، ما إذا كان سيُبعث، للمرة الأخيرة، من مرقده السلطوي، أم من أحد المنافي التي غالبا ما كانت مصير الحكام الأفارقة.