صدمة جديدة في بروكسل: التلاعب بالاستخبارات وراء الفشل الأمني
يتنامى شعور واضح ومزعج لدى البلجيكيين بأن أجهزة المخابرات والأمن قصرت في مواجهة الإرهاب الذي تعرضت له بلجيكا
مع استفاقة البلجيكيين من صدمة الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بروكسل يوم الثلاثاء الماضي، يتنامى شعور واضح يقترب من صدمة جديدة بأن أجهزة المخابرات والأمن قصرت وبشدة في مواجهة الأخطار المميتة التي تعرضت لها بلجيكا. والتي خلفت أكثر من 30 قتيلا ومئات الجرحى.
وعلى الرغم من أن خبراء الاستخبارات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا قد أكدوا وجود إخفاقات داخل الاستخبارات البلجيكية قبل هجمات بروكسل، أدت تلك الإخفاقات، التي تبدو مفهومة لكثير من البلجيكيين، إلى نجاح الإرهابيين في تنفيذ مخططهم الدموي.
يشير الخبراء الأمنيون إلى سببين رئيسيين لفشل الأجهزة الأمنية البلجيكية: الأول، فشل الأجهزة في تأمين البلاد بعد تحذيرات استمرت لعدة أشهر من مسؤولين بلجيكيين وأوروبيين بوجود علامات تشير إلى مؤامرات إرهابية في البلاد. والثاني، فشل الشرطة البلجيكية في إخفاء وجود صلاح عبد السلام، بعد أكبر عملية مطاردة في أوروبا، الذي تسبب في تبكير العملية الإرهابية في بروكسل كانتقام واضح للقبض على عبد السلام.
لكن هناك أسباب أخرى أدت إلى فشل الأجهزة الأمنية البلجيكية، وقد وصل ذلك الفشل إلى حد اختباء عبد السلام على مرأى من الجميع لعدة أشهر، وعلى مسافة قصيرة من مركز للشرطة في حي مولينبيك في بروكسل، حيث شنت فرق التدخل السريع التابعة للشرطة غارات لا تحصى في المنطقة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني. ويعتقد مسؤولون أن هجمات باريس كان يتم التخطيط لها أيضا داخل حي مولينبيك.
أحد تلك الأسباب وصف المسؤولين والمقيمين لحي مولينبيك، حيث العديد من سكان المنطقة يشعرون بالغربة حتى من الشرطة وأنهم بالكاد يشعرون أنهم جزء من بلجيكا على الإطلاق. ويعكس ذلك نشوء بيئة خصبة لتجنيد الانتحاريين لصالح التنظيمات الإرهابية. وقد عبرت عن ذلك فرانسواز شيبمانز، رئيسة حي مولينبيك، قائلة "هناك الكثير من الناس الذين لا يعيشون في المجتمع، ولكن بجانب مع المجتمع" في إشارة إلى الأقليات والعرقيات الأخرى، وأضافت "ولذلك فمن السهل الاختباء في هذا الحي".
سبب آخر لفشل الجهات الأمنية البلجيكية هو تحمل الشرطة البلجيكية ومسؤولي المخابرات سنوات من التخفيضات في الميزانية ونقص الموظفين، فضلا عن النظام السياسي الممزق، مع انقسامات عميقة بين السكان الناطقة بالفرنسية والناطقة بالهولندية في البلاد.
في بروكسل، وهي مدينة يعيش فيها 1.1 مليون شخص، هناك ستة مراكز للشرطة تواجه ركودا عميقا، حيث ألغت الحكومة في عام 2014 خططا لزيادة ميزانية الأمن الصغيرة التي تقدر بحوالي 217 مليون دولار، لكنها وافقت على زيادة الميزانية بـ434 مليون دولار فقط بعد أن كشفت الهجمات الإرهابية في باريس شبكات للإرهاب عميقة الجذور في بروكسل.
كل هذه العوامل قد أعاقت بشدة السرعة والقدرة في الكشف عن الشبكات الإرهابية، لكن الإحراج مستمر للسلطات البلجيكية. ففي أمس الأربعاء، أعلنت تركيا في يونيو الماضي بأنها اعتقلت أحد الإرهابيين المنفذين لهجمات بروكسيل. وأبلغت بلجيكا اعتقاله، لكن السلطات البلجيكية قالت إنها لم تتمكن من الربط بينه وبين النشاط الإرهابي ولم تطلب من تركيا تسليمه، حسب تقارير لصحيفة الغارديان. وقد طلب الإرهابي ترحيله إلى هولندا حيث كان حراً في السفر إلى أي مكان في الاتحاد الأوروبي. مما يثبت فشل السلطات البلجيكية في التعامل مع الحالات المشتبهة في كونها تنتمي لمنظمات إرهابية.
ويقول آلان وينانتس، الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة في بلجيكا بين عامي 2006 2014، إن السياسيين البلجيكيين تلاعبوا مع مسؤولي الاستخبارات لسنوات طويلة، وتسبب ذلك في عجز الوكالة عن أداء عملها. وأضاف قائلا "الأزمة لم تكن فقط في انهدام الاهتمام بالمخابرات، بل وصل الأمر إلى عدم الثقة بين السياسيين وجهاز المخابرات"، واستطرد وينانتس، الذي يشغل حاليا منصب المدعي العام للمحكمة العليا، قائلا "كان من المستحيل أن تفعل ما كان علينا القيام به"، مضيفا مع ضحكة مكتومة، "جيمس بوند لا يمكن أبدا أن يكون بلجيكيا".
aXA6IDUyLjE1LjIzOC4yMjEg جزيرة ام اند امز