«المدينة التي ليس لها آخر».. رواية ألمانية عن العولمة وآثارها
رواية تتحدث عن غليان عالم أصبح بدون حدود.. سافرت مؤلفتها خارج حدود بلدها الأصلي وعاشت في مدينتين شرقيتين شكلتا خلفية لعالمها الروائي
في السابعة من مساء الاثنين 28 مارس المقبل، يستضيف معهد جوته بالقاهرة، الكاتبة والروائية الألمانية أولا لينتسه، لقراءة أجزاء من روايتها الأحدث «المدينة التي ليس لها آخر». الرواية مدرجة على لائحة الأعمال المرشحة للترجمة إلى العربية، خصوصا أن ظروف كتابتها وبعض أجوائها يتقاطعان مع العالم العربي، كما أنها؛ أي الرواية، جاءت نتاج منحة للكتابة.
وعادة ما ترتبط بمنحة الإقامة في الخارج من قبل مؤسسة ثقافية توقعاتٌ أن يؤدي ذلك إلى إخصاب عمل الفنانين أو الأدباء الألمان الذين حظوا بالمنحة، وإن كان لا يعني ذلك أن يُصبح عليهم أن يجعلوا من تجربتهم الحياتية المحدودة زمنيا في الغربة موضوعًا مباشرًا لأعمالهم. لكن هذا بالضبط ما قامت به أولا لنتسه (المولودة 1973) في إقليم "راينلاند"؛ فروايتها المعنونة «المدينة التي ليس لها آخِر» تُعد في الوقت نفسه تسجيلًا ومعالجة خلاقة لتجربتها في الخارج. ويضاعف من طابع الرواية المشوق كونها انبثقت من تجربة معايشة في مكانين تفصل بينهما مسافة جغرافية وثقافية، وإن كان كلاهما يعاني تحت ضغط العولمة من مشكلات متشابهة.
بحسب "ليتركس" (مشروع ترجمة الأعمال من الألمانية إلى العربية)، فقد أقامت أولا لنتسه في مومباي بناءً على دعوة من صندوق دعم الفن بولاية شمال الراين - فستفالن ومعهد جوته. كما كانت مبعوثة إدارة الثقافة بمدينة كولونيا إلى مدينة إسطنبول. وقد وجدت حلاً يمكنها من المزج على المستوى الأدبي بين هاتين المدينتين الضخمتين، التي تقع بينهما عوالم. فقد وزعت حكايتها التي تتداخل فيها المعايشتان المبهرتان المروعتان، والتي تعكس كل منهما الأخرى بأساليب شتى، على شخصيتين نسائيتين، رئيستين.
"هولّه شولتس" فنانة تشكيلية، تقوم بالتصوير الفوتوغرافي للمدن، وبالأدق لمجموعات المباني بها، مع استبعاد البشر بقدر الإمكان. تقع -فور وصولها إلى إسطنبول بناءً على منحة حصلت عليها- في غرام المدينة الواقعة على الحدود بين المشرق والمغرب، كما تهوى في عشق صاحب كشك المأكولات التركية جلال، أو بكل الأحوال في عشق جسده الجميل وحميته الجياشة المتحررة من كل القيود.
وفي الوقت نفسه تشعر بانجذاب للمستثمر الألماني الغني كريستوف فانكه، الذي ينبهر بأعمالها. فيربط بينهما تناغم ثقافي رغمًا عن إرادتها، إذ يمثل شخصه كل ما تنبذه هي: أناقة "المستعمرين الجدد" الذين لا حد أو قيد لمطامعهم في عالم انهارت حدوده أمام قوة دفع رأس المال. يقتني أعمالها من خلال وقف شركته، ويمَول إقامتها في مومباي، التي تغادرها فجأة في عجالة عندما تضيق بملاحقته لها.
تسكن شقتها بعدها الصحفية الألمانية "تيريزا" التي تتخصص في كتابة ريبورتاج الرحلات، وتتميز بحسها الاجتماعي. على الرغم من صلابتها مقارنة بهولّه التي تتسم بالحساسية المفرطة، فلديها قرون الاستشعار ذاتها التي تملكها هولّه تجاه التناقضات الصارخة التي تصبغ الحياة في مدن تتسم بالانفجار، مثل إسطنبول ومومباي. كما تؤرقها الشكوك المبدئية ذاتها حول كل نشاط ثقافي واقتصادي للغرب في محيط هذه البقع من العالم.
مرة بعد الأخرى تعمل الكاتبة أولا لنتسه من خلال سردها على تقاطع خيوط الشخصيتين ومعايشاتهن وأفكارهن. تضع كل منهما في مواجهة مغامرات تنبع ملابساتها من خصوصية المكان، وتُقابل واقع الحياة اليومية في هذه المدن بخواء المباديء وجشع المنتفعين، الذين يمثلهم كريستوف فانكه بشركة أعماله المتواجدة في كل مكان.
إلى جانب التأملات التي تبلور بوضوح وجهة نظر امرأتين شابتين، اكتسبتا وعيهما من تجربة الحياة في مدن العالم الكبرى، وبالأخص رؤيتهما للشرق الأوسط والشرق الأقصى؛ يترك الوصف الحسي التفصيلي والدقيق-لمشاهد الشارع الذي ينقل نبضه، وللأحياء السكنية بأجواءها، ولآثار الماضي وجروح الحاضر في المدينتين الضخمتين-أثرًا واضحًا في نفس القارئ. كما يُضفي تطور العلاقات عنصر تشويق إضافيا على العمل المتميز بإيقاعه السريع ولغته السهلة، دون أن يخل باتزان بناء العمل الفني.
بإتقان فني رائع، ربطت لينتسه بين أربعة أقدار داخل عالم حضري واحد، خسر فيه الفن والحب والحياة طهارتها على الرغم من الصراع اليومي الذي يدور حولهم. وتعتبر «المدينة التي ليس لها آخر» رواية مليئة بانعكاسات الأفكار، والعلاقات المتداخلة الخفية. كما يتسم بناء الرواية بالتأرجح الخفيف، حيث تغوص الأوقات والأماكن والهويات بعضها مع البعض. «المدينة التي ليس لها آخر» عمل فني ذو أوجه متعددة بالغة الجمال، بحسب الناشر الألماني للرواية.
aXA6IDE4LjIxNy4xMjIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز