رواية "حوادم"..رسم مأساة الإنسانية بريشة الأسطورة اليونانية
الكاتبة السورية بهيجة مصري إدلبي تقدم في روايتها (حوادم) عملاً فيه مزيج من الديني ومن الأسطوري اليوناني لتصور مأساة الإنسان
تقدم الكاتبة السورية بهيجة مصري إدلبي في روايتها (حوادم) عملاً فيه مزيج من الديني ومن الأسطوري اليوناني لتصور مأساة الإنسان الذي سيطر عليه القتل والتدمير ونوع من الانتحار عبر قتل الذات من خلال قتل الآخر.
حملت الرواية اسمًا هو (حوادم) المنحوت من كلمتي حواء وآدم لتقدم الكاتبة فيها وجهة نظرها في حركة موكب البشرية الذي تنكر للنعم التي أعطاها إياه الخالق.
وقد جاءت الرواية في 153 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الهلال في القاهرة في نطاق سلسلة روايات الهلال، أما بهيجة مصري إدلبي فهي كاتبة وشاعرة من سوريا حاصلة على درجة دكتوراة في فلسفة الإدارة التربوية، لها 26 كتابًا منها 14 مجموعة شعرية بينها (امرأة من خزف الروح) و(صلاة في محراب الذات) و(إشراقات الروح) وأربع روايات منها (الغاوي) و(رحلة في الزمن العمودي) إضافة إلى 8 كتب في النقد الأدبي منها (الأدب التفاعلي وحوار الثقافات) و(السيرة الذاتية في الخطاب الروائي العربي).
وقد نالت عددًا من الجوائز الأدبية العربية.
تطغى على رواية (حوادم) سمات واتجاهات صوفية خاصة في ما بعد بدايات الرواية؛ إذ إن البدايات سردت وإن في صفحات قليلة قصة عادية عن زواج مخفق قبل أن تنتقل إلى ما بعد ذلك.
وفي الرواية كثير من الشعر بل تخمة شعرية تطغي على العمل السردي الذي يبدو للقارئ باهتًا ومعروفًا لأنه يقوم في كثير منه على القصص الديني وعلى قصة آدم وحواء والخروج من الفردوس إلى عالمنا اليومي عالم التعب والشقاء والعالم الذي فيه الكثير من الشر أيضًا.
غير أن قصة آدم وحواء التقليدية تأتي عندها "مطعمة" بأمور أخرى من خارج النصوص الدينية المتعلقة بالموضوع، نتيجة القرب بين الرجل والمرأة في القصة ذلك القرب الذي تفصله، كما ما يبدو هوة من البعد تمنع الكائنين من اللقاء في البدايات على الأقل، يجد القارئ نفسه وفي كثير من التفاصيل في أسطورة أورفيوس ويوريديس.
تقول الأسطورة اليونانية القديمة، إن يوريديس زوجة أورفيوس الحبيبة لسعتها أفعى فقتلتها وكانا في عالم أقرب إلى الجنة، أورفيوس الحزين بكاها كثيرًا وبكتها معه مخلوقات الغاب من حيوان وطير، وطلب من الآلهة أن تعيدها إلى الحياة، رقت الآلهة لحزن أورفيوس فأعادتها إلى الحياة بشرط قاسٍ هو ألا يراها بل هي تسير خلفه وتخاطبه ويخاطبها دون لقاء أو أي التفات من أحدهما إلى الآخر، إلا أن آدم وحواء يلتقيان وينجبان الكثير من النسل.
تبدأ الرواية بقصة فتاة في مدينة حلب السورية خلال الحرب الدائرة هناك، توفي أبوها بعد أن طلب من إخوتها أن يتنازلوا لها عن حصتهم في البيت ففعلوا، الفتاة كانت عاشقة للكتب بل خبيرة بها، تتزوج من شخص تتوهم أنه صالح لها ولا تلبث أن تكتشف عكس ذلك بعد أن يتسبب لها بالإفلاس، فينفصلان بالطلاق.
وتخترع الفتاة (وجد عبد القادر) قصة مخطوط قديم تقول، إنها عثرت عليه وهو مخطوط (حوادم) من تأليف عارف مصطفى نسيم الطيار 1650 – 1720 ميلادي.
المخطوط حافل بجو من الصوفية ومكتوب في كثير من مجالاته بما قالت محققته، إنه أقرب إلى قصيدة النثر الحديثة، وفي هذا الزعم قدر من الصحة مع بعض التحفظ حيث تفيض بعض نصوصه بالسجع، وقد يبدو القول صحيحًا أن لغته تشبه بعض ما يكتب من شعر يسمى حديثًا هذه الأيام وليس قصيدة النثر تحديدًا، فالفرق بينها وبين أنماط من هذا الشعر بينة واضحة.
يروي المخطوط أي في الواقع تروي محققته قصة البشرية كما بدت لها وطبعًا تنسب كلامها إلى المخطوط، يرزق آدم وحواء أو الرجل والمرأة بأولاد كثيرين يعمرون الأرض وينتشرون فيها، لكن كثيرين منهم شذوا عن القواعد الخلقية التي أوصاهم بها أبوهم وأمهم وعاثوا في الأرض قتلًا وخرابًا وفسادًا، صورت الكاتبة مسيرة البشرية مركزة على الجانب الدموي منها.
إلا أن الإنسان يبقى يسعى إلى الخير، الابن الصالح المسمى (سلام) هو وذريته سيشكلون عامل الخير الذي يسعى -على الأقل- إلى التخفيف مما يرتكبه إخوتهم من ويلات.
من الرواية قول المؤلفة الشعري عن الرجل يتحدث عن المرأة ويبحث عنها مخاطبًا الجهات الأربع "الصخرة في قلبي تمتد.. والحنين يموج كبحر التيه.. وأنا تائه بين الجزر والمد.. يتعبني الضلال.. يا أيها الشمال.. العرب لم يرها.. والشرق لم يرها.. وأنت يا أيها الشمال.. يا أملي الأخير.. يا قشة الغريق".