"العين" تفتح ملف الأدوية المغشوشة في مصر والذي انتشرت سوقه السوداء مؤخرًا، حيث تشير الأرقام إلى أن 7 % من تلك التجارة يصب في مصر
"أدوية إكسباير"، "شراء أدوية بالجملة"، "أدوية منتهية الصلاحية".. هذه هي عينة من أسماء عدد من صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والتي قد لا تصادفك خلال تصفحك للموقع الشهير، بعد أن اتخذ أصحابها تدابير احترازية تتعلق بخصوصية الصفحة، بشكل يمنع أي مستخدم من مشاهدة محتواها.. والهدف النهائي منها "بيع أدوية منتهية الصلاحية بسعر الجملة"، حسبما تعلن تلك الصفحات في "الوصف المختصر" لها.
طبقًا للمركز المصري للحق في الصحة، وهو أحد المراكز الحقوقية المصرية، فإن 43 صفحة على "فيس بوك" تتخصص في بيع الأدوية غير المسجلة أو المهربة، ومن بينهم 6 صفحات تتخصص في بيع أدوية منتهية الصلاحية، بحسب بلاغ قال المركز إنه تقدم به للأجهزة الأمنية لتتبع نشاط تلك الصفحات.
محمود فؤاد، مدير المركز، قال لبوابة "العين" الإخبارية، إن وجود أدوية منتهية الصلاحية داخل الصيدليات يسبب أزمة لها في حالة حدوث تفتيش من قبل وزارة الصحة، ويرجح أن الصيدليات تتخلص من هذه الأدوية وتبيعها بأسعار مخفضة للتجار الذين يقومون بجمعها، مبديًا تخوفه من إعادة طباعة تاريخ صلاحية جديدة وإعادة تداول تلك المنتجات في السوق.
مخاوف "فؤاد" أكدها الدكتور خالد صقر، مدير أحد الصيدليات في المنوفية، وهي أحد المحافظات الريفية المصرية، والذي يقول/ إن هناك مصانع تنتشر في المحافظات الريفية والمناطق النائية البعيدة عن الرقابة، وتقوم بطباعة عبوات جديدة مماثلة لعبوة الدواء الأصلي ولكن بتاريخ صلاحية جديد وإعادة طرحها في الأسواق، ويخص بالذكر منتجات المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل وبعض الأدوية الأخرى.
الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية في الغرفة التجارية، أوضح أن سياسة بيع الأدوية في مصر تتم من خلال شركات التوزيع، والتي تعتبر حلقة الوصل بين الشركات والصيدليات، موضحًا أن الشركات مع تنامي حجم إنتاجها الضخم، بدأت في وضع قواعد للمرتجعات والتي تسبب خسائر لها، وقلصت نسبة الأدوية المرتجعة من 10% إلى 2% فقط.
وقال إن هنا 4 شركات توزيع كبرى في مصر تحتكر 90% من السوق، وتتحكم في حجم المرتجعات، ومع نهاية كل شهر تجد الصيدليات أنفسها أمام كميات كمية من الأدوية منتهية الصلاحية، وفي نفس الوقت لا تستطيع إرجاع منها سوى 20% للشركة المنتجة، ما أدى لتراكم مرتجعات بقيمة 600 مليون جنيه داخل السوق، وكانت تلك الكمية سببًا في ظهور سوق تجارة الأدوية منتهية الصلاحية.
يضيف "تجار الأدوية منتهية الصلاحية يشترون ما يقرب من 30% من الأدوية الموجودة بالأسواق، والصيدليات مضطرة للبيع لتقليل حجم خسائرها".
ويقدَر الدكتور محمد فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء حجم هذا السوق بما يزيد عن 600 مليون جنيه سنويًّا، ويعلل سبب نمو هذه التجارة إلى توقف النظام المستخدم بين شركات الأدوية والذي كان يلزمها باستلام المرتجعات قبل 4 سنوات. ويقول إن أصحاب الصيدليات حاولوا حل تلك الأزمة مع وزارة الصحة، إلا أن شركات الأدوية ترفض استقبال الأدوية المرتجعة ما يدفع صيدليات لبيعها بسعر منخفض.
يُحمل "فؤاد" وزارة الصحة مسئولية هذه المشكلة، كونها الجهة المنوط بها هذا الأمر، ويقول إن الوزارة لها القدرة على إصدار قرار فوري بسحب جميع الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات لتطهير السوق منها "لكنها لم تفعل"، وفق قوله، ويؤكد أن تعويض الصيدلي عن ثمن تلك الأدوية يظل خارج قدرة الوزارة ولابد من إعادتها للشركات للحصول على العائد المادي منها.
يؤكد الدكتور خالد صقر، صاحب إحدى الصيدليات في المنوفية لـ"العين"، أن هناك عدد من التجار يمروا عليه في الصيدلية بشكل متكرر لشراء الأدوية منتهية الصلاحية الموجودة لديه، موضحًا أنهم لا يشترون الأدوية كلها، لكن أنواع معينة أغلبها مستوردة أو عليها طلب أكبر.
ويشير إلى أن بعض التجار يجمع الأدوية بأسعار أقل بنسبة خصم 20% من الصيدلي، دون أن يعلم الصيدلي غرض التاجر "لكنه مضطر حتى لا يخسر ثمن المنتج كاملًا، خاصة أن الشركة المُصنعة ترفض الحصول عليه كمرتجع"، هكذا يقوم.
الدكتور إيهاب يحيي، صاحب صيدلية في أسيوط قال إن طباعة العبوة بتاريخ صلاحية جديد أصبح أمرًا سهلًا، ولذلك لجأت بعض الشركات لوضع علامة مائية عليها، إلا أنها تعرضت للتقليد أيضًا.
لم تكن ظاهرة إعادة طباعة عبوات الأدوية بتاريخ صلاحية جديد أمرًا مستحدثًا، فوفقًا لدكتورة نورهان خليل، مديرة أحد الصيدليات في الإسكندرية، فإن الأمر بدء مع العينات المجانية التي كانت تطرحها الشركات للصيدليات ولكنها غير مخصصة للبيع وتُطبع تلك العبارة عليها.
تشير الدكتورة نورهان إلى مضاعفات تناول تلك الأدوية تختلف درجاتها من دواء لآخر، ويمكن أن تصل إلى الوفاة، وتوضح "نورهان" أن تناول دواء منتهي الصلاحية إن لم تكن المادة الفعالة فيه تحولت لمادة سامة فإنه سيكون دون مفعول ما سيحرم المريض من تناول علاجه في الوقت المناسب وتفاقم حدة مرضه، وفي حالة تحولها لمادة سامة ستؤدي للوفاة، خاصة منتجات الأنسولين والأدوية الموسعة للشرايين والمضادات الحيوية السائلة.
يتفق مستشار المركز القومي للسموم، الدكتور محمود عمرو، بأن هناك آثارًا جانبية متفاوتة لكل نوع من الأدوية في حال انتهاء صلاحيته، فبعضه يمكن أن يؤثر على خلايا المخ، والأخر يصيب بخلل في خلايا الكبد، ومن الممكن أن تصل إلى الفشل الكلوي، مؤكدًا أن بعضها يظهر آثاره على المدى البعيد والبعض الأخر بشكل فوري.
الدكتور عادل عبد المقصود، رئيس شعبة الصيادلة في الغرفة التجارية المصرية، يؤكد أن أضرار تناول أدوية منتهية الصلاحية يمكن أن تصل للوفاة، مشيرًا إلى أن هناك حادثة بالفعل لمواطن أصيب بالعمي في محافظة طنطا بدواء يحتوي على مادة "الأفاستين" الفاسدة، ما أدى لحدوث هبوط مفاجئ في الدورة الدموية ومشاكل بالقلب سببت أعراض جانبية خطيرة للمريض.
يطالب "عبد المقصود" بتعديل تشريعي يشمل تشديد العقوبة لتصل للإعدام، مثلما حدث في الصين، خاصة وأن المادة 2 من القانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بمكافحة "الغش والتدليس" تعاقب بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 30 ألف والحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز 5 سنوات، معتبرًا أن العقوبة "ضعيفة" ولا تتناسب مع الجريمة.
ويُحمل "عبد المقصود" شركات الأدوية جزء من المسؤولية، خاصة أن بعهضا يرفض استرجاع الأدوية الخاصة بها بعد انتهاء صلاحيتها، مطالبًا بإعادة النظر في قرار الشركات والخروج بتشريع يلزم الشركات المنتجة والمستوردة باسترجاع الأدوية منتهية الصلاحية.
ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية في 2015 فإن تجارة الأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية تصل لـ 20 % من الأدوية المتداولة في السوق المحلية، وتشير إحصائيات الغرفة إلى أن 7% من تجارة الأدوية المغشوشة عالميًّا تصب في مصر، وهي التقديرات التي لم تؤكدها أي مصادر مصرية رسمية.
وفق إحصائيات غرفة صناعة الدواء ووزارة الصحة المصرية، فإن عدد الأدوية المُسجلة يبلغ 12326 ألف دواء.
aXA6IDE4LjExOC4zMC4xMzcg جزيرة ام اند امز