في العُرف أَنّ الوطن مكانُ الإِقامة، والأُمةَ جماعةُ الناس. ولا انتظامَ للمكان والجماعة إِلّا بضابطٍ واحد: الدولة
في العُرف أَنّ الوطن مكانُ الإِقامة، والأُمةَ جماعةُ الناس. ولا انتظامَ للمكان والجماعة إِلّا بضابطٍ واحد: الدولة، فإِذا تراخَت هذه تَـهَدَّد المكان وتفرَّقت الجماعة.
أَما المكان فلبنان، وأَما الجماعة فشعبُ لبنان وفيه طاقاتٌ رائدةٌ مقيمةٌ على أَرضه أَو منتشرةٌ في أَوطان الآخرين.
فهل عَرَفَ لبنان عُرْف الدولة منذ انزاح عنه انتظامُ الدولة العثمانية فالدولة الفرنسية؟
هذه المفكَّكةُ عهدًا بعد عهد، هل أَصبَحت دولةً بمعنى "الضابطةِ الكلَّ" تحت ميزان العدل والمساواة والقانون؟
ومتى تُصبِحُ دولةً قويةً تضبط هذا الوطن الرائع فينجو، هو الذي ما زال قويًّـا لأَنّ في شعبه مؤْمنين بعدُ به ويسعَون إِلى إِنقاذه في إِخلاص؟
يُصبِحُ دولةً هذا الوطنُ حين يَبْطُل أَن يكون مجموعَ قبائل وعشائر ومحسوبيات سياسية تابعة لهذا أَو ذاك من زعماء المزرعة.
يُصبِحُ دولةً حين يكون عَلمانيًّا يلتزم مواطنوه أَديانهم ومذاهبهم في مقاماتهم الروحية لا في مفاصل الدولة بأَركانها الطائفيين.
يُصبِحُ دولةً حين لا يعود في الـحُكم أُوتوقراطيون ولا تيوقراطيون ولا إِقطاعيون ولا توريـثـيـون.
يُصبِحُ دولةً حين تتشكَّل فيه أَحزابٌ علمانية غيرُ طائفية ولا إِقطاعية ولا شخصانية، وتنتمي مبادئُها إِلى فكر وطني ديمقراطي لا إِلى قائدها أَو زعيمها وأَبنائه وأَفراد أُسرته الوارثة الموروثة.
يُصبِحُ دولةً حين ترتفع فيه الـمُواطَـنـة إِلى مستوى المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، خارجَ اصطفافات زبائنية طائفية مذهبية تَـجُــرُّ مَـحاسـيـبَـها أَغنامًا في قطيع القائد.
يُصبِحُ دولةً حين يبطُل جُلُّ شعبه أَن يكون حبّة في مسبحة الزعيم ولا حطبة في موقده، وحين ينشأُ على المواطَنة المتساوية لا على الخنوع لأَسياده السياسيين مستغلِّيه من جيل إِلى جيل.
يُصبِحُ دولةً حين يلتزم رجالُ الدين حدودَهم الروحانية السامية في صقل الإِنسان لا في قمْعه فَردًا تابعًا ورقمًا حاصِلًا.
يُصبِحُ دولةً حين يكون فيه كتابُ تاريخ موحَّد لا يَعتبر خائنًا مَن يعتبره آخرون بطلًا، ولا عميلًا مَن يعتبره آخرون مُنقذًا.
يُصبِحُ دولةً حين تحكُمه المواهب لا المذاهب، برجال دولةٍ نزيهين ذوي رؤْيةٍ لا برجال سياسةٍ حرباويين وُصُوليين.
يُصبِحُ دولةً حين تفرض هذه حُضورَها وهيبَتَها وسيطرتَها على كامل ترابها، فيصبح المواطنُ اللبناني المقيمُ يحترم دولتَه ويَهابُها مثلما المواطنُ اللبناني المنتشر في العالم يحترم الدولةَ التي يعيش فيها ويهابُها.
يُصبِحُ دولةً حين المسؤُول فيه يَخدم مصلحة الدولة لا حين يَجعل الدولة في خدمة مصالحه الشعبية والانتخابية والتوريـثـيـة.
يُصبِحُ دولةً حين يتكـرَّس فيه الانتماءُ إِلى الوطن/الدولة.
وهذا لن يكون إِلّا متى شعر المواطن أَنه في دولةٍ تَستحِـقُّ فعلًا هذا الوطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة