الواقع الآن أن هناك براهين قاطعة لا تتعلق بالفساد والرشى، ولكن بما هو أخطر..
لا أعتقد أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قد وجد نفسه في موقف أصعب قبل تنظيم بطولة كأس عالم قبل أربع سنوات من انعقادها في البلد المفترض مما عليه الحال بالنسبة إلى استضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022!
اعتقد "نظام الحمدين" أن إغلاق ملف التحقيقات في الفساد الذي أحاط باستضافة قطر للبطولة المقبلة سينهي النقاش والجدل والشبهات الكبيرة التي تحيط بإجراءات اختيار البلد المضيف، ولكن الحاصل أن ممارسات الفساد لا تزال تطل برأسها، وأن هناك ملفات وحقائق يبدو أنها حجبت، أو كانت في غير متناول لجنة التحقيقات التي لم تتوصل إلى دلائل قاطعة في ممارسات الفساد.
إذا كانت قطر تراهن على الوقت وشعرت بارتياح بعد فوز الولايات المتحدة باستضافة مونديال 2026، فإن هناك دولا أخرى مرشحة بقوة لتحل محل قطر منها إنجلترا كما تطالب الصحف البريطانية، وهناك أستراليا يطالب الكثيرون كتعويض لها عمّا لحق بها جراء منافسة غير أخلاقية مع الملف القطري.
اعتقادي الشخصي أن أية لجنة تحقيقات في موضوع كهذا لم تكن لتأخذ سوى ببراهين وأدلة قاطعة على الفساد لأن الأمر يتعلق بمصالح شركات عابرة للقارات فازت بعقود بمليارات الدولارات في إنشاء البنى التحتية والمرافق الخاصة بالبطولة، وهناك كذلك عقود رسمية ومصالح اقتصادية متشابكة ومعقدة تتم وتسبق تنظيم مثل هذه البطولات الضخمة بسنوات عدة.
كما يجب أن ننتبه إلى أن لجنة التحقيقات لم تبرئ ساحة النظام القطري تماماً كما يتردد في وسائل الإعلام، بل قالت نصاً إن قطر "انخرطت في معاملات مشكوك فيها مع مسؤولي الفيفا"، وهو ما يحمل اتهاماً مبطناً ولكن اللجنة لم تتوصل إلى أدلة قاطعة في الاتهامات، وأعرب رئيس اللجنة وقتذاك عن "قلقه" من تصرفات مسؤولين سابقين في "الفيفا" وعلاقاتهم مع قطر..
وما ساعد نظام الحمدين على التستر على ممارسات الفساد أن معظم الأمور كانت تتم من دون وثائق وبشكل احترافي لنظام اعتاد العمل في الظلام، ومتمرس في عقد الصفقات المشبوهة منذ سنوات طويلة مضت، لذا كان من السهل عليه إخفاء أية أدلة كان يمكن أن تقود إلى إثبات الفساد.
الواقع الآن أن هناك براهين قاطعة لا تتعلق بالفساد والرشى، ولكن بما هو أخطر، حيث كشفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية مؤخراً عن حصولها على وثائق مسربة تبين أن فريق ملف قطر كلف شركة علاقات عامة أمريكية وعملاء سابقين في "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية (سي آي أيه) بتشويه صورة المنافسين لها، خاصة الولايات المتحدة وأستراليا، وذلك بهدف نشر دعاية ممنهجة تفيد بأن نهائيات كأس العالم في البلدين لن تحظى باهتمام محلي، وأنها لن تصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ودفع آلاف الدولارات لكتّاب متخصصين لنشر تقارير سلبية عن مردود التكلفة الاقتصادية الباهظة للاستضافة، وكذلك الدفع لقادة رأي في وسائل الإعلام الاجتماعي للتركيز على الجوانب السلبية لملفات الدول المنافسة للملف القطري، وتوظيف مجموعات ضغط لإقناع أعضاء الكونجرس بجدوى توجيه الموارد المالية للإنفاق على المدارس الرياضية وغير ذلك، فضلاً عن تنظيم احتجاجات مفتعلة في أستراليا خلال مباريات الرجبي ضد استضافة بطولة كأس العالم!
الأدلة الجديدة لم تمر مرور الكرام رغم محاولات النظام القطري نفيها والتشويش إعلامياً عليها، حيث طالب رئيس لجنة الثقافة والرياضة في مجلس العموم البريطاني الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بإجراء تحقيق مستقل في أية شبهات حول مخالفة قطر للقوانين في حملتها لتنظيم نهائيات كأس العالم 2022، ووصف ما نشر بأنه "خطير" داعياً إلى إطهار الحقائق، وأضاف في حديث لبي بي سي "إذا خالف القطريون القانون فلا بد من معاقبتهم".
الصحف البريطانية وصفت انتهاكات قطر بأنها "مخالفات صارخة"، وطالبات بتجريدها من حق تنظيم البطولة، وإسنادها إلى إنجلترا أو أستراليا، وقالت صحيفة "فايننشيال تايمز" إن إماطة اللثام عن هذه الوثائق يزيد الضغوط التي تُمارس على "الفيفا"، لحمله على فتح تحقيقٍ جديدٍ حول ما شاب فترة تقديم العروض الخاصة بالتنافس على إقامة البطولة من ملابسات.
الحقيقة أن "الفيفا" بات في موقف صعب للغاية، ولكن المؤكد أنه بات مطالب بكشف الحقائق في ضوء الوثائق الجديدة التي يمكن أن تكمل ملامح الصورة التي كانت تطل برأسها معلنة عن فساد فج من دون دليل دامغ خلال عمل لجنة التحقيقات السابقة.
ثمة إشكاليتان مهمتان تواجهان الاتحاد الدولي لكرة القدم أيضاً، أولهما إعلاء قيمة الأخلاق وأهميتها بالنسبة للرياضة وتنظيم البطولات، وهذه مسألة محسومة بالنسبة للجميع، والأخرى تتعلق بسمعة "دولة الفيفا" وضرورة تخليص هذه السمعة وإبرائها من الفساد والشبهات مهما صغرت أو كبرت.
إذا كانت قطر تراهن على الوقت وشعرت بارتياح بعد فوز الولايات المتحدة باستضافة مونديال 2026، فإن هناك دولا أخرى مرشحة بقوة لتحل محل قطر منها إنجلترا كما تطالب الصحف البريطانية، وهناك أستراليا يطالب الكثيرون كتعويض لها عمّا لحق بها جراء منافسة غير أخلاقية مع الملف القطري.
في مجمل الأحوال وبغض النظر عن أية تحقيقات، فإن استضافة كأس العالم المقبلة في ملاعب الدوحة، باتت في مهب الريح بعد أن فقدت قطر المقومات الأخلاقية لاستضافة هذه البطولة العالمية، ولا يمكن لأي عاقل أن يقول بإمكانية نجاح هذه البطولة في قطر بعد كل ما تردد من فضائح، ناهيك عن حالة العزلة الإقليمية، التي وضعها فيها نظام الحمدين..
وأعتقد أن "الفيفا" لن يقبل بمسح كل جهوده على صعيد محاربة الفساد خلال السنوات الماضية بالصمت على ممارسات قطر وتحويل كأس العالم المقبلة إلى "مهزلة" كما نقلت صحيفة "دَيلي مَيل" البريطانية عن مغردين أستراليين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة