يبدو أن الشهر المنصرم شهد اتفاقاً، غير معروفة كل بنوده، بين الأمريكيين والروس حول سوريا
يبدو أن الشهر المنصرم شهد اتفاقاً، غير معروفة كل بنوده، بين الأمريكيين والروس حول سوريا، وأن سقوط تدمر بهذه السهولة في اليوم الأول من عيد الفصح في ٢٧ مارس/آذار، كان من ثماره الأولى.
بعد ستة أشهر من القصف المركز على معاقل المعارضة السورية التي تحيط بمناطق الوسط والشمال السوريَيْن، أعلن بوتين انسحاب قواته من سوريا، وبعد أسبوعين على إعلان الانسحاب هذا قدم بوتين لبشار الأسد هدية لم يكن ليحلم بها عشية انطلاق المفاوضات في جنيف.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هو من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق مع الروس عندما ذهب إلى موسكو،في ٢٥ مارس/آذار الماضي، للمرة الثالثة منذ بداية العام الجاري، حيث التقى نظيره سيرغي لافروف لمدة أربع ساعات قبل أن يلتقي الرئيس بوتين لمدة أربع ساعات طويلة أخرى.
هذه الزيارة جاءت بعد لقاءات أجراها مدير الـ«سي.آي.اي» جون برينان، مع قادة أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية في موسكو في بداية الشهر المنصرم.
فواشنطن التي تدعم الجيش العراقي في هجومه لتحرير الموصل، والمقرر أن يتم قبل نهاية العام الجاري، تسعى لتأمين انتقال سياسي في سوريا عبر تقليص مساحة المناطق التي يحتلها «داعش»، وتأمين عودة قسم مهم من النازحين السوريين إلى ديارهم، وتحسين علاقتها المتوترة مع تركيا أردوغان ودول الخليج العربية، من دون أن يؤثر كل ذلك في عودة علاقاتها مع طهران بموجب الاتفاق النووي الموقع في يوليو/تموز الماضي. وما دفع واشنطن إلى المسارعة للاتفاق مع موسكو عوامل عدة، منها تفجيرات باريس في ١٣ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ثم تفجيرات بروكسل في ٢٢ مارس/آذار الماضي، وأزمة اللاجئين التي تهز أوروبا منذ أشهر عدة. وقد بدأت إرهاصات الاتفاق بالظهور ابتداءً من سبتمبر/أيلول الماضي بمناسبة الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تبعتها بدايات القصف الروسي في سوريا في نهاية الشهر المذكور.
وكان كيري صرح بوضوح، في مقابلة مع الفضائية الأمريكية «سي.بي.إس».
في ٢٧ مارس/آذار الماضي بأن «التعاون مع روسيا يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة»، مثنياً على «الدور المفتاح لروسيا في التوصل إلى اتفاق مع طهران بخصوص البرنامج النووي، وفي وضع الهدنة في سوريا موضع التنفيذ». مضيفاً «إذا كانت روسيا قادرة على المساعدة في استقرار الأوضاع فهذا قد يضع حداً للحرب التي تؤثر في أوروبا والأردن ولبنان وتخلق ظروفاً لتهديد «إسرائيل»».
يبدو الاتفاق الأمريكي-الروسي متيناً، لكنه يتضمن بنوداً سياسية غير معلنة وغير معروفة. ففي ما يخص مستقبل بشار الأسد قال جون كيري «لا أريد القول كم من الوقت سيبقى الأسد في السلطة، ولكن إذا لم يرحل في إطار المسار السياسي المطلوب من إيران وروسيا ودول أخرى، فلن يكون هناك سلام في سوريا»، ونقل عن الروس قولهم المكرر إن «على السوريين أن يقرروا بأنفسهم مستقبلهم من خلال مسار سياسي».
على الأرجح أن الأمريكيين اقتنعوا مع الروس بضرورة إبقاء مصير الأسد طي الغموض في انتظار التسوية النهائية التي لا بد أن تشهد رحيله بطريقة أو أخرى.
والحال هذه، فان بشار الأسد سوف يذهب قوياً، هو والمعارضون المدعومون من موسكو والمقبولون من نظامه، إلى مفاوضات جنيف التي سوف تستأنف في الشهر الجاري. في المقابل سوف يشعر بالتهميش المعارضون المدعومون من انقره والرياض والدوحة ومن الغرب بشكل عام.
وهكذا يمارس الأمريكيون سياسة أشبه بتمرين توازني دقيق يذهب أبعد من الحرب التوافقية على الإرهابيين، تمرين يقوم على الاتفاق مع الروس وأخذ الرغبات الإيرانية في الاعتبار مع تفادي الصدام مع أردوغان ومحاولة استرضاء دول الخليج العربية.
وتطمح إدارة أوباما إلى إقفال الملف السوري قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني عبر تكريس الاتفاق مع موسكو في مجلس الأمن الدولي لجعله غير قابل للمراجعة والعودة إلى الوراء بعد وضعه على سكة التنفيذ.
فالوقت يمر بسرعة والبؤر الإرهابية تنتشر وتتكاثر رغم تراجع «داعش» في سوريا والعراق. وكمثل الحيوان الجريح يضرب «داعش» في إفريقيا والقوقاز وتركيا وأوروبا، ويهدد الغرب والشرق على السواء. والحرب العسكرية على الإرهابيين ينبغي أن تترجم أيضاً باتفاقات سياسية دائمة مع الفاعلين الكبار، على الرغم من أن هذه الطريق سوف تكون طويلة جداً. والمشكلة أنه في الانتظار، فإن الأمور معرضة في كل لحظة للعودة إلى المربع الأول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة