إذا تمكنت المنطقة العربية من الخروج من المحنة والمتاهة الحاليتين، سيكون هذا عن طريق البناء الفعال للعلاقات المصرية ـ الخليجية
إذا تمكنت المنطقة العربية ـ شعوبا وحكومات ـ من الخروج من المحنة والمتاهة الحاليتين، سيكون هذا عن طريق البناء الفعال للعلاقات المصرية ـ الخليجية، وفى قلبها العلاقات السعودية ـ المصرية.
قليلة هى العلاقات بين دولتين التى يتعدى تأثيرها ـ ومباشرة ـ المستوى الثنائى ليؤثر على ما يحيط بهما، دوليا أو إقليميا . كان هذا سبب الاهتمام عالميا فى أثناء الحرب الباردة بالعلاقات الأمريكية ـ السوفيتية ولقاءات القمة بينهما، على أساس أن حالة العالم تعتمد على مستوى التوتر أو التهدئة بينهما، حتى دون حدوث التصادم النووي، العلاقات المصرية ـ السعودية هى من هذا النوع الذى يتعدى الدولتين ليصب فى محيطهما ويؤثر على توجيهات إقليمهما، وحتى دوليا. ولذلك نطلق عليهما الدولتين المحوريتين.
ولنتذكر الاستقطاب الحاد الذى عانت منه علاقتهما فى ستينات القرن الماضى أو ما سمى الحرب الباردة العربية، والتى تحولت إلى ساخنة مع وجود الجيش المصرى فى اليمن وما أعقب ذلك من كارثة 1967، التى أصابت كل العرب بالذل والهوان، قارن هذا بما حدث عشية حرب أكتوبر فى 1973، حيث كان الملك فيصل الوحيد ـ خارج القيادات السورية والمصرية ـ الذى عرف بموعد ساعة الصفر، ثم استمر التنسيق المباشر بين القاهرة والرياض لاستخدام سلاح البترول بجانب العتاد العسكرى على أرض سيناء والجولان. هكذا ارتبطت كارثة 1967 المهينة بالقطيعة المصرية ـ السعودية، بينما ارتبط تغيير الوضع جذريا فى أكتوبر 1973 بالتنسيق المصرى السعودي،
كما هى العادة إذن فى العلاقات بين الدول المحورية فإن الشقين الثنائى والاقليمى مرتبطان. بالتأكيد العلاقات الثنائية هى الأساس ويجب أن تكون صحية وقوية، ولكن بسبب المكانة الاقليمية لهاتين الدولتين، فهذه العلاقات الثنائية لايمكن أن تكون فقط الهدف والغاية، بل هى الوسيلة للتنسيق بين الدولتين من أجل دور إقليمى فعال، هذا التنسيق مطلوب فى الأحوال الاقليمية العادية، فما بالك بحالة الفرقة والتشرذم التى تعانى منها المنطقة حاليا؟ إذا كان هذا التنسيق الاقليمى هو الهدف، أى القيام بدور القاطرة لكى نساعد النظام الاقليمى على الخروج من عثرته، فما هى الآليات لتحقيق هذا الهدف والربط بين العلاقات الثنائية والهدف الإقليمى الأكبر، أى الأساس أو يجب أن يكون فى هذه الظروف الاقليمية الصعبة، اقتصر على ثلاثة بنود:
1ـ أن تكون هذه العلاقات متوازنة، بمعنى أن تتوجه لتلبية أولويات كل طرف. مثلا من الناحية الديموجرافية أو السكانية، مصر هى ثلاثة أضعاف تقريبا السعودية، ولكن مستوى الدخل القومى السعودى هو أكثر من المصرى بأكثر من الخمس. لحسن الحظ إذن لا تكون الأولويات متعارضة بل فى الواقع تكمل بعضها: اقتصادية أساسا بالنسبة لمصر، بينما التعويل على العمق الاستراتيجى المصرى بالنسبة للسعودية، بكل ما يعنيه مفهوم العمق الاستراتيجي، كيف يمكن البناء على هذا التكامل المبدئي؟
2 ـ المكاشفة والمصارحة، بمعنى أن نكرس الطاقة ليس فى العموميات مثل «حب الشعبين» بين «الدولتين الشقيقتين» فهذا مفروغ منه، ولكن فى التنسيق المحدد والتخطيط، وبالورقة والقلم كما يقال. هناك تحديات حقيقية يجب مواجهتها بدلا من تجاهلها أو تهميشها: مثلا علاقات الطرفين بدول الجوار خاصة تركيا وإيران، كيفية التنسيق بين الدولتين فى التعامل مع الأزمات الاقليمية الحادة، سوريا، اليمن، ليبيا وحتى حماس، ما هى فعالية ـ وليس شعارات ـ القوة العربية المشتركة، الحلف الإسلامي؟
3 ـ ماذا تجنى الشعوب من هذه العلاقات بين الدولتين المحوريتين؟ الموضوعات المذكورة أعلاه من سوريا إلى اليمن تتعلق بما يسميه المتخصصون فى العلاقات الدولية «السياسات العليا» ولكن مع توغل العولمة وزيادة التواصل الاجتماعي، أصبحت «السياسات الدنيا» أو العلاقات بين الشعوب هى السياسات العليا الجديدة، بمعنى أوضح لن تكون السياسات العليا فعالة إذا لم ترتكز على قاعدة شعبية متينة تدعمها وتدفع بها إلى الأمام، تجمعات الملك سلمان لاستصلاح 18 ألف فدان فى مصر تذهب فى هذا الاتجاه.
والحقيقة أن التواصل على مستوى هذه «السياسات الدنيا» مطلوب أكثر والفرص متاحة فى انتظار استغلالها، ولنضرب بعض الأمثلة فى وقت تواجه فيه صورة العالم الاسلامى أسوأ تحدياتها، هو التواصل الفقهى والفعلى بين الأزهر والمؤسسة الدينية فى السعودية للإسهام فى تنقية هذه الصورة على المستوى الدولي، وحتى داخل بعض الدول الإسلامية، فى آسيا وإفريقيا أو بين المسلمين فى أوروبا والأمريكتين؟ هل من الممكن تقوية العلاقات بين شباب الدبلوماسيين فى البلدين عن طريق توثيق العلاقات بين المعهد الدبلوماسى فى كل بلد والتدريب المشترك، مثلا عن طريق تطبيق منهج المحاكاة إزاء بعض الأزمات الاقليمية والدولية، مع تبادل الأدوار، بمعنى أن يقوم الشباب السعودى بتقمص الدور المصرى والشباب الدبلوماسى المصرى بالدور السعودي، لكى يتفهم كل منهما الطرف حاضرا ومستقبلا ويتواصل معه بفاعلية؟ هل من الممكن أن تعامل سلطات كل دولة رعايا الدولة الأخرى بالمنطق الاقتصادى المطبق بين بعض الدول، أى الدولة الأكثر تفضيلا، وكيف يتم تفعيل هذا بالنسبة للعمالة المصرية فى السعودية أو المستثمرين السعوديين فى مصر؟ ما هى العلاقات الفعلية فى المجال العلمي، خاصة بين الشباب؟ حاليا فى دول الاتحاد الأوروبى يستطيع الطالب الإسبانى أن ينتقل لفصل دراسى أو أكثر فى جامعة ألمانية أو بريطانية وتحسب له المواد كأنه يدرس فى جامعته؟ هل التفكير فى برامج مشابهة على المستوى السعودى المصرى شديد الطموح؟ هل من الممكن تنفيذ الربط الكهربائى والبرى لكى يكون البحر الأحمر مثلا منطقة لقاء وتواصل؟ هذه الأمثلة تبين الترابط بين المستوى الثنائى والهدف الاقليمى المطلوب، ليس فقط بتخطيط وفعالية العلاقات المتشعبة بين الدولتين المحوريتين، بل أن تكون هذه العلاقات الثنائية واجهة، مثلا يحتذى بها، قدوة للآخرين يتم تطبيقها فى مناطق أخرى مع الأردن مثلا أو فى الشمال الإفريقي.
فى الواقع تجارب التاريخ المعاصر تؤكد أن تدعيم وتفعيل العلاقة بين دولتين محوريتين يكون الطريق الناجح لتدعيم إقليمهما أو منطقتهما الجغرافية، فمثلا مزقت الحروب أوروبا، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية بوحشيتهما ومستوى التدمير الهائل، للخروج من هذا النفق المظلم توصل قادة الفكر والسياسة الأوروبيون إلى أن العلاقات بين فرنسا وألمانيا هى الأساس، فقد هزمت ألمانيا فرنسا مرتين وحتى قامت باحتلالها فى الحرب العالمية الثانية. ولذلك كان الأساس فى التكامل الأوروبى الذى نراه الآن العمل على مستوى العلاقات الألمانية ـ الفرنسية بداية عن طريق إنشاء اللجنة الثنائية للحديد والفحم فى بداية الخمسينات، ثم تطورت هذه العلاقات الثنائية إلى المستوى الأوروبى وإبرام معاهدة روما لم تعان المنطقة العربية أو العلاقات السعودية ـ المصرية من هذه الكوارث، فهل تكون القمة ومجلس التنسيق السعودى المصرى وسيلة التخطيط لقاعدة علاقات ثنائية متينة ومتواصلة، ولكن أساسا لتوجيه المنطقة خارج النفق المظلم؟ هل تستطيع هذه القمة مواجهة التحدي؟ هكذا سيكون تقييم نتائج القمة، أو يجب أن يكون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة