التاريخي فالتاريخ لا يكتبه المنتصر فقط بل كتبه كذلك من أصبح مع مرور السنين الأغلبية وقراءة هذه السطور بعقلية متفتحة نقدية
قبل 5 سنوات كنت أشاهد برنامج ديني يتحدث عن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام والذي صدمني قول الشيخ المعروف أن يوسف أستغفر الله أنه كان عبداً مملوكاً، وجاء بمسمى لطيف كون العبد عنده متعارف عليه وساق عجيب الكلام، فهو مبرمج وعنصري من خلال تأسيسه الديني وخلفيته القبلية، ولذلك يجب أن لا نجعل أنفسنا مقياسًا، وأن نفصل عن ما سمعناه ونؤمن به من خلال الحشو التاريخي، فالتاريخ لا يكتبه المنتصر فقط بل كتبه كذلك من أصبح مع مرور السنين الأغلبية وقراءة هذه السطور بعقلية متفتحة نقدية، أول أمر من المفترض أن يؤخذ بعين الاعتبار في خضم الهجرات العديدة واختلاط سكان المنطقة بشعوب العالم المختلفة، وكيف أن الحضارة الإسلامية جعلت العربي إنسان دولي وهو رائد العولمة في العالم إبان قمة زهو الحضارة الإسلامية.
أدعو قارئ هذه السطور أن يذهب ويبحث في مراجع مختلفة عن وصف أعمام رسولنا الكريم في الروايات، وبماذا وصفهم أحد الأعراب وهم يطوفون على الكعبة وألوانهم، ولماذا لم نسمع قط عن ذلك؟ ولماذا لا يذكر أبدًا لون خال الرسول الكريم سيدنا سعد ابن أبي وقاص قرشي الأم والأب، وكما ذكر الذهبي في وصفه أنه كان قصيرًا دحداحًا -أي القصير الخطى في مشيه مع عجل- غلظًا، ذا هامة، شنن الأصابع -أي أصابعه فيها خشونة وشدة -، جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس، ولماذا تختلف روايات أهل الحجاز وأهل العراق في لون سيدنا عمر ابن الخطاب بين السواد والبياض.
وبجانب الروايات هناك الحديث رقم 334 في مسند أحمد بن حنبل : "حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قثنا عفان قثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي عز وجل بمحامد ومدح وإياك. قال: هات ما حمدت به ربك عز وجل. قال: فجعلت أنشده، قال: فجاء رجل أدلم فاستأذن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اس اس. قال: فتكلم ساعة ثم خرج، قال فجعلت أنشده، قال: ثم جاء فاستأذن، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: اس اس. ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا، قال قلت: يا رسول الله، من هذا الذي استنصتني له. قال: هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل". (الأدْلم: الأسود- الدلمة: سواد مع طول).
وطبعاً كون كلمة سواد له انعكاسات تشير للدونية سيقول لك ليس أسود، وإنما يميل للسمرة أو أخضر اللون فقط، ولكن ليس سواد معظم الأفارقة ونقول لهم شديدي السواد في الهند أو إندونيسيا أو أستراليا أو جورجيا هم السكان الأصليين لتلك المناطق وليس بينهم وبين الأفارقة، والذين بدورهم بينهم تنوع أي رابط جيناتي، ويصف سكان بعض الدول العربية بعض الرحالة في القرن الثامن عشر بالسمرة والملامح الإفريقية، ولكن اليوم سكان تلك الدول العديد منهم شديدي البياض مع شعر أشقر وعيون ملونة، علماً أن مليون جارية في الغالبية ومملوك من أصول أوربية بيعت في تلك الدول بين القرن الخامس عشر والقرن السابع عشر والهجرات الأروآسيوية والأوروبية لتلك المنطقة غيرت ملامح المنطقة، والغريب أن سكان الأندلس لوصفهم للمسلمين الذين غزوهم لا يذكر في كتب مدراسنا العربية، ولا يوجد كتاب مدرسي واحد في كل دول شمال إفريقيا مثلاً يتكلم عن العبيد البيض.
ومثال آخر هو وصف سيدنا على أبن أبي طالب، ففي رواية كان علي شيخًا سمينًا أصلع كثير الشعر، ربعة إلى القصر، عظيم البطن، عظيم اللحية جدًّا، قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن آدم شديد الأدمة (تاريخ الخلفاء) ورواية أخرى قال أبو جعفر: كان شديدة الأدمة ربعة إلى القمر، و كان علي أفطس الأنف (البدء والتاريخ) ومراجع عديدة والأدمة هي حتماً ليس البياض كما يدعي البعض، ولكن سيقول لك أحدهم ما أهمية هذا الموضوع ولم يتطرق له العلماء لكونه لا يمس جوهر الدين، ولكنهم تتطرقوا لروايات التي تصفه بالبياض، ربما مجرد مصادفة بطبيعة الحال والبعض يطرح إشكالية الحمض النووي، وكأن من سيقوم بعملية فحص للحمض النووي للولايات المتحدة سنة 3000 هل سيجد الحمض الغالب عليهم هو حمض الهنود الحمر أو حتى سيجد له أثر بين سكان أمريكا في ذلك الوقت !
ولدخول في الموضوع مباشرة بسبب العبودية واحتقار لون معين ووصفه بالغباء والدونية والقبح واعتبارات عديدة، تم تطوير نظام النقطة الواحدة تفسد الدم ومسميات عديدة للفصل العنصري الاجتماعي وهي مسميات إقصائية، وتسببت فيها الفتوحات الإسلامية وتحول العرب لملوك إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، فكيف تحولت العرب من الافتخار بخضار لونهم وسمرته، وهو ما كان يفرقهم عن العجم من غير العرب وخاصة الروم والفرس والدلائل عديدة، وأبسط مثال أن من عير الصحابي بلال ابن رباح ووصفه بابن السوداء كان هو نفسه أسمر اللون وهو الصحابي أبي ذر الغفاري !
هي العنصرية المؤسسية بكل تأكيد، ولكنه لا يعكس الحقيقة بالضرورة والحجة الواهية الدائمة العرب كانت تنجب من الجواري، وكأن الجواري كان لونها أسود فقط، ويشككون في صحة المراجع التي تشير لآدمة العرب الأقحاح ومعنى كلمة أدمة، وتلك المراجع صدمة كبيرة لمعتقداتهم الراسخة، ويحسون أنها تقلل من قيمتهم كعرب والنفي والتشكيك هي الإستراتيجية الوحيدة، فهي تعتبر لأكثرهم كالمخدرات، ومنها ما أعدم، ومنها ما يعتبر تدليس وتزوير، ومنها ما تم تغيره .
والأمر الآخر الإنسان يتأقلم مع بيئته والذي يعيش في حر الصحراء أو قمم الجبال لا يمكن أن يملك أنف دقيق بالكاد يستطيع أن يتنفس منه أو واللون الأبيض هو الغالب على أفراده مع شعر أملس كالحرير ووجنه تميل للحمرة! العلم والعقل معًا يرفضان ذلك، ولكن هي العصبية وليس سواها والقبائل العربية التي تميل للسمرة اليوم هي الأقل اختلاطًا بباقي الأجناس والأقرب لوصف العرب في غابر الأزمان، كما يقول المبرد رحمه الله تعالى : "الغالب على أولاد العرب الأدمة" انتهى من "تهذيب اللغة" (6/40). وهذا لا يعيب عروبة الآخرين، فالطبيعي هو الاختلاط والتنوع، ومن يريد النقاء العرقي نقول له هتلر مات، والسؤال الذي سيسأله صاحب العقل بكل بساطة لماذا الاختلاف في المراجع في وصف العرب إن كان لونهم متعارف عليه ولا شك فيه، ولماذا لم نسمع عن هذا التنوع طوال حياتنا؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة