هل يمكن التفاؤل بما حدث في ليبيا بعد أن تمكن رئيس حكومة الوفاق الوطني من دخول طرابلس رئيساً لوزارة ضمت مختلف أطياف العمل السياسي
هل يمكن التفاؤل بما حدث في الأيام الأخيرة في ليبيا بعد أن تمكن رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج من دخول العاصمة طرابلس رئيساً لوزارة ضمت مختلف أطياف العمل السياسي في البلاد، وبدء ممارسة مهام الحكومة التي غابت عن واحدة من أكبر بلدان العالم العربي مساحة، وأكثرها ثراء؟
يبنى تفاؤل حذر على تطورات الأيام الأخيرة، خاصة أن مدناً ليبية عدة أعلنت تأييدها للحكومة الجديدة، كما أن استقبال الناس لرئيس الحكومة في العاصمة طرابلس، إنما عبر عن رغبة جارفة لدى المواطنين في أهمية إغلاق ملف الصراع الذي أرهق الجميع، وحوّل البلاد إلى ساحة تناحر حضر فيها الإرهاب بشكل لم تعرفه ليبيا طوال تاريخها الحديث والقديم.
ما حدث يعني الكثير للناس الذين يطمحون إلى طيّ صفحة الماضي بكل مساوئها، والبدء بترميم ما شهدته ليبيا منذ أحداث فبراير/شباط 2011، مروراً بمقتل الزعيم الليبي معمر القذافي بطريقة أثارت الكثير من الرفض الشعبي، لأن طريقة مقتله والتمثيل بجثته أثارت الكثير من الغضب في أوساط مؤيديه، وهم ليسوا قلة.
بعد التخلص من القذافي، دخلت ليبيا مرحلة خطرة من التجاذبات السياسية والقبلية، وحتى الدينية، وحضرت المنظمات الإرهابية بمختلف أشكالها، بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وتنظيم «داعش»، الذي تمكن من السيطرة على العديد من المناطق في ليبيا ومارس أبشع وسائل القتل والدمار، ما شكّل صدمة لليبيين الذين رأوا بلادهم وهي تسير من قبل أناس أدمنوا القتل والتدمير.
كان من بين الأخطاء الكبيرة التي جناها، ويجنيها الغرب اليوم، ذلك التدخل العسكري في الشأن الليبي، بموافقة من الأقطاب السياسية العالمية، بينها روسيا، التي تداركت أخطاءها لاحقاً، لكن بعد فوات الأوان، بعد أن شعرت بأن الإرهاب صار يهدد مصالحها في المنطقة، بخاصة في سوريا، فأعادت التوازن المفقود في الصراع داخل سوريا الذي كان بدأ يميل لمصلحة «داعش»، في وقت كان الغرب يتفرج على ما يدور في بلاد الشام والعراق وليبيا واليمن وغيرها من المناطق الساخنة في العالم العربي.
عودة حكومة فايز السراج إلى طرابلس، تعني عودة ليبيا إلى أهلها، وهي خطوة في طريق طويل لن يكون سهلاً، فحكومة الإنقاذ التي كانت تتواجد في طرابلس رضخت للأمر الواقع، وأكدت على لسان رئيسها خليفة الغويل، أنها لن تقاوم عودة السراج، إلا أنها لن تترك الأمور كما هي، بل ستقاوم هذا التواجد بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، ذلك أن خروجها خارج إطار اللعبة يعني فقدانها لمصالح تراكمت خلال سنوات.
ويبدو أن الدعم الذي حصلت عليه حكومة فايز السراج، بخاصة من قبل مجلس الأمن الدولي، ومن الدول المجاورة لها، والمؤثرة في أحداثها، إيطاليا نموذجاً، سيكون فرصة إضافية لتقود خطة لإصلاح الأوضاع في البلاد التي دمرتها الحرب والخلافات والصراعات بين أبنائها، وذلك يعني أن العالم لن يعود قادراً على التعاطي مع «مؤسسات موازية»، في إشارة إلى الحكومة السابقة.
بعودة حكومة فايز السراج إلى طرابلس تكون ليبيا قد وجدت نفسها من جديد، ليبيا التي يتمنى العرب أن تعود إليها عافيتها ودورها الذي افتقدته بالأحداث الدامية التي شهدتها خلال السنوات الماضية، وهي أحداث لا تزال تعصف بالكثير من الدول العربية، وتهدر الكثير من طاقاتها وثرواتها، وتهجر أبناءها في الشتات، كما هو جار اليوم في سوريا والعراق واليمن وغيرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة