قبل محادثات جنيف.. "الأسد" لم يبدِ أي بوادر للتنازل
محادثات جنيف تستأنف الأسبوع المقبل من أجل إنهاء الحرب في سوريا، لكن خبراء يؤكدون أن الأسد لم يبدِ أي بوادر للرحيل.
تستأنف في جنيف الأسبوع المقبل المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة من أجل إنهاء الحرب في سوريا دون أن يُبدي الرئيس بشار الأسد، الذي تدعم إيران وروسيا حملته العسكرية للقضاء على المعارضة الساعية للإطاحة به، استعدادا لقبول حل وسط.
ويجيء هذا الموقف السوري رغم مطالب المعارضة بتنحي الرئيس للسماح بفترة انتقالية تقول القوى الغربية إنها ضرورية لتسوية الصراع.
ففي العام الماضي كان تقدم المعارضة يهدد الأسد أما الآن فالرئيس يفيض ثقة بعد أن قلبت الضربات الجوية الروسية الأمور رأسا على عقب بل ومكنت جيشه من استرداد بعض ما خسره من أرض من المعارضة السنية ومن الجهاديين في تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي حين يتشكك خبراء في شؤون سوريا في أنه سيتمكن من استعادة البلاد بالكامل دون تدخل بري واسع النطاق من جانب روسيا وإيران وهو أمر مستبعد فهم يتشككون أيضا أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي هبّ لإنقاذ الرئيس السوري في سبتمبر أيلول الماضي سيرغمه على التنازل عن السلطة دون مسار واضح لتحقيق الاستقرار، وهو أمر قد يستغرق سنوات.
وبدلا من ذلك دفع التدخل الروسي -بعد خمس سنوات من تأرجح الموقف في القتال بين الأسد وقوات المعارضة وأغلبها من الغالبية السنية في سوريا- ميزان القوى لصالحه لتصبح له اليد العليا على مائدة التفاوض في جنيف.
وكان الهدف الرئيسي للقصف الجوي الروسي هو المعارضة السورية وقوات الإسلاميين التي شنت هجوما في الصيف الماضي. ولم تستهدف القوات الروسية والسورية تنظيم داعش إلا في الآونة الأخيرة وكان أبرز ما تحقق في هذا الصدد استعادة مدينة تدمر التي اجتاحها الإرهابيون في العام الماضي.
* المعارضة فقدت الزخم
ويقول محللون إن هذه الجماعات كانت فيما يبدو الهدف الرئيسي من التدخل الروسي لا تنظيم داعش.
ويقول خضر خضور من مركز كارنيجي للشرق الأوسط "التدخل الروسي أعاد في الأساس تشكيل الصراع السوري... ولم يعد لزخم المعارضة أي وجود."
ويضيف "من دون شك دعم الروس الأسد ووضعوه في موقف أقوى. لكن الأهم أنهم أضعفوا المعارضة وجماعات المعارضة المسلحة وهو ما كان هدفهم الرئيسي."
ويقول دبلوماسيون إن بوتين أضعف المعارضة لدفعها إلى قبول تسوية بالشروط الروسية والسورية. وهذه الشروط ليست "السلطة الانتقالية" التي تطالب بها الولايات المتحدة وحلفاؤها بل هي توسيع الحكومة لتشمل عناصر من المعارضة على أن يكون الأسد على رأسها في المستقبل القريب.
وما زالت روسيا تريد أن يقود الأسد الفترة الانتقالية حتى الانتخابات في حين تصرّ المعارضة وحلفاؤها الإقليميون على ضرورة تنحيه عن السلطة لكن حتى الآن لا تلوح أي حلول في الأفق.
وقال دبلوماسي أوروبي على صلة وثيقة بالمحادثات "نحن بحاجة لتحقيق تقدم في الأسابيع القادمة. وإذا كان الغرض من العملية السياسية مجرد وضع بضعة أشخاص من المعارضة في مناصب اسمية بمجلس الوزراء فلن يحقق ذلك أي نتائج تذكر."
وأضاف "إذا لم يحدث انتقال سياسي فستستمر الحرب الأهلية وسيستفيد تنظيم داعش من ذلك."
وقال فواز جرجس الذي ألّف كتابا عن تاريخ تنظيم داعش نشرته جامعة برينستون "في الوقت الحالي للروس اليد العليا في إملاء الحل. والأمريكيون يلعبون في ملعب روسيا."
* شكوك
ويؤكد هذا الرأي سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي الذي تباهى في مقابلة في الآونة الأخيرة بأن "الأمريكيين يفهمون أنه لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا دون روسيا، ولم يعد بإمكانهم حل مشاكل خطيرة وحدهم."
ومع ذلك يكتنف غموض كبير نوايا موسكو بعد أن سحب بوتين فجأة جانبا من قواته من سوريا في الشهر الماضي. وأدى ذلك إلى تكهنات بين خصوم الأسد أن روسيا تنظر فيما إذا كانت ستتخلى عن الأسد رغم أن كثيرين من المراقبين للشأن السوري يرون أن هذه النتيجة مستبعدة.
وقال الدبلوماسي الأوروبي "مازالت القضية الرئيسية هي متى وهل سيتحرك الروس لتسهيل هذا الانتقال. الأمر غير واضح ولدينا شعور أن المحادثات الأخيرة لم تغير كثيرا في الموقف الروسي."
وأضاف "لا أعتقد أن الجولة المقبلة ستصل إلى أي قرار حقيقي في العملية السياسية."
ويقول جرجس إن الانسحاب الجزئي الروسي كان خطوة ذكية بعثت برسالة إلى الأمريكيين مفادها أن روسيا قوة عقلانية لها مصداقيتها مهتمة بتسوية دبلوماسية.
كما كان الهدف من الانسحاب أن يكون هزة للأسد الذي شجعه ما تحقق من تحول بفضل روسيا وإيران في موقفه الضعيف ودفعه للإعلان عن خطط لاستعادة سوريا بالكامل.
ويعتقد جرجس أن "الرسالة الموجهة لنظام الأسد هي أن روسيا لا تلعب بقواعد سوريا وأنها لا تريد الانغماس في مستنقع سوريا (بل) تريد تقليص خسائرها."
ويضيف أن ذلك يعني أيضا "طمأنة الرأي العام الروسي إلى أن موسكو ليست مرتبطة ولن ترتبط بالتزام عسكري طويل الأجل في سوريا وأن استثمارها محدود وليس مفتوحا."
لكن ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الأسد يفسر هذه الرسائل بالطريقة نفسها.
فقد رفض في الشهر الماضي أي إشارة إلى انتقال عن الهيكل الحالي كما اتفقت القوى الدولية، ودعا بدلا من ذلك إلى "وحدة وطنية" مع عناصر من المعارضة تنضم إلى الحكومة الحالية.
وقال الأسد لوكالة سبوتنيك الروسية للأنباء إن فترة الانتقال يجب أن تكون تحت مظلة الدستور الحالي، وإنه سيكون هناك دستور جديد بعد أن يصوّت الشعب السوري على هذه الخطوة.
* الأسد "لن يذهب بهدوء"
ويقول المعلق الإماراتي فيصل اليافعي إن روسيا لعبت بأوراقها في سوريا بمهارة شديدة لكنها أخطأت الحساب في جانب واحد، موضحا: "فقد افترضت أنه ما أن يشعر النظام (نظام الأسد) أنه آمن فسيصبح أكثر استعدادا للتفاوض. وفي واقع الأمر حدث العكس."
ويضيف "ثمة حدود للضغوط التي يمكن لروسيا أن تمارسها على الأسد. فالأسد لن يذهب بالتأكيد بهدوء، ومن المؤكد أنه لن يذهب إذا لم يكن أمامه بديل حقيقي حتى داخل النظام. وقد برع النظام في التأجيل وسيظل يسوف حتى تتغير الرياح السياسية لصالحة حتى إذا كان ذلك يعني تحدي موسكو."
ويتفق روبرت فورد السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن في الرأي بأن روسيا قد لا تقدر على إرغام الأسد على الرحيل.
ويقول إن أجهزة الأمن التي تمثل العمود الفقري لحكم الأسد مازالت كما هي وإن "الأسد يبدو واثقا من نفسه مرة أخري بعد أن كانت نبرته أكثر خفوتا بكثير في الصيف الماضي. ربما كان الروس ساعدوه أكثر من اللازم بحيث يستطيع الاحتفاظ بالسيطرة على مدن وطرق رئيسية لفترة طويلة."
كما لفت فورد الأنظار إلى التنافس على سوريا بين روسيا وإيران الحليفين الرئيسيين للأسد، والذي تركز فيه موسكو على علاقاتها التقليدية مع المؤسسة العسكرية السورية، وتركز فيه طهران على شبكة الميليشيات التي كونتها هي وحزب الله –المصنف إرهابيا- لدعم النظام.
وقال إن الأسد من الذكاء بحيث يعرف كيف يستغل هذا. وأضاف "لست حتى واثقا مما إذا كانت روسيا ستختبر قدرتها على الضغط الشديد في دمشق مقابل قدرة إيران. فالروس يدركون أنهم قد يخسرون."
كذلك فإن دور روسيا في سوريا منحها فرصة أكبر لفهم تركيبة حكم الأسد التي تتداخل فيها أدوار عائلة الأسد وحلفائها من الأقلية العلوية في أجهزة الأمن والقيادة العسكرية.
* حدود للنفوذ الروسي والإيراني
ويقول خضور من مركز كارنيجي إن روسيا تدرك الآن أن الظروف اللازمة للانتقال السياسي غير قائمة حتى الآن لأن عزل الأسد قد يؤدي إلى انهيار هيكل السلطة كله.
ويضيف "الروس يشعرون أنهم في المرحلة الحالية لا يقدرون على عمل شيء... الظروف لانتقال السلطة غير ناضجة. أي تغيير بهيكلية النظام ستفكك كل الهيكلية."
ومضى قائلا "النظام عنده مشكلة. هو غير قادر على إنتاج بديل من الداخل... النظام غير قادر على تقديم أي مبادرة من الداخل لأن هذا سيفكك النظام."
وأشار إلى أن التنازل الوحيد الذي قدمه النظام السوري وكان مجرد المشاركة في محادثات جنيف جاء نتيجة لضغط روسي.
وفي وجود حدود للنفوذ الروسي والإيراني على الأسد بما اكتسبه من ثقة جديدة لا يظن كثيرون أن محادثات جنيف ستؤدي إلى إحلال السلام.
وقال سركيس نعوم المعلق البارز والخبير في الشأن السوري "هذا ليس وقت حل الأزمة السورية. هذه الاجتماعات في جنيف قد تنعقد 100 مرة ولو كان الروس شاعرين أنه حان وقت الحل كانوا توصلوا لاتفاق مع الأمريكان حتى يتخلوا عن الأسد دون أن يتخلوا عن العلويين."
وقال الدبلوماسي "مازال السؤال الأساسي هو هل الروس جادون ويريدون أن يحدث ذلك."
وأضاف "لا أحد يعرف ما في ذهنهم ولست واثقا أنهم هم أنفسهم يعرفون."
aXA6IDE4LjIxOC43Ni4xOTMg جزيرة ام اند امز