عندما يتحدث أوباما بفخر عن تحدي مؤسسة السياسة الخارجية لصياغة سياسته بشأن سوريا ربما لا يتبادر إلى ذهنه أشخاص مثل فيكي أكين وأحمد مسيتو
عندما يتحدث الرئيس أوباما بفخر عن تحدي مؤسسة السياسة الخارجية لصياغة سياسته بشأن سوريا، ربما لا يتبادر إلى ذهنه أشخاص مثل فيكي أكين وأحمد مسيتو.
قال أوباما مؤخرًا في مقابلة مع جيفري غولدبيرغ من مجلة «ذي أتلانتيك» إنه «فخور للغاية» بقراره بعدم ضرب سوريا بعد أن قتل ديكتاتور هذا البلد، بشار الأسد، 1400 شخصًا أو يزيد، في هجوم بالكيماوي. قال إنه تعرض للانتقاد بسبب رفضه الانصياع لـ«كتيب التعليمات الذي يأتي من مؤسسة السياسة الخارجية»، والذي نصح بتدخل أكبر من جانب الولايات المتحدة. يعتقد الرئيس بأنه يستحق الإشادة لامتلاكه الشجاعة لتجنب مستنقع محتمل.
أكين هي مديرة قسم سوريا في «غول»، وهي واحدة من أكبر منظمات الإغاثة الإنسانية في العالم، ومقرها في آيرلندا. تملك هذه المنظمة قدرة مدهشة على مواصلة توفير مياه الشرب والخبز لما يقرب من مليون شخص في مسيس الحاجة في داخل سوريا. وعمل ميستو، وهو سوري، مع منظمة «غول» داخل سوريا على مدار 3 سنوات، قبل أن يضطر للفرار إلى ألمانيا، بعد أن تلقى تهديدات من نظام الأسد والمتطرفين في آن معا.
وقد زار الاثنان واشنطن بوست مؤخرًا. ولديهما رؤى للسياسة الأميركية تختلف عن رؤية الرئيس أوباما.
ميستو مهندس مدني، ويتذكر الحشود السلمية التي كان عددها يصل للآلاف، يتظاهرون في الجامعة في حلب، ولم يكن أي منهم يحمل أسلحة. كما يتذكر كيف رد الأسد باستخدام العنف، واتهام كل من يعارض النظام بالإرهاب – وكان هذا حتى مع إخلاء سبيل إرهابيين حقيقيين من السجون السورية، والذين انطلقوا ليغرسوا بذور تنظيم داعش في سوريا والعراق.
كما يتذكر اليوم الذي يذكره أوباما بفخر – عندما قالت الولايات المتحدة إنها لن ترد عسكريًا، بعدما قالت إن استخدام السلاح الكيماوي «خط أحمر» ليس للأسد أن يتجاوزه.
تعتبر القنابل البرميلية من الأشياء الخاصة بالحرب التي يشنها الأسد على شعبه. اعتاد الأسد وحلفاؤه الروس استهداف العيادات والمستشفيات، إلى درجة أن السوريين يلتمسون من منظمة «غول» ألا تأتي بالتجهيزات الطبية إلى قراهم، بحسب ما يقول مارك بارتوليني، الرئيس التنفيذي لـ «غول الولايات المتحدة».
ونصف المليون شخص الذين قتلوا؟ حسنًا، لا أحد يعرف على وجه اليقين كم عدد من ماتوا من سكان سوريا الذين كان عددهم يبلغ 22 مليونا قبل الحرب. واصلت الأمم المتحدة ومنظمات أخرى حساب عدد الضحايا لفترة، حيث بلغ 250,000 ثم توقفت عن العد.
وفي الوقت ذاته، اضطر ما لا يقل عن نصف السوريين جميعًا على ترك منازلهم. أصبح أكثر من 4 ملايين لاجئين؛ وإضافة لهذا هناك آلاف عالقون على الحدود التركية، غير قادرين على المغادرة.
وبالنظر إلى هذه العواقب، عليك أن تتساءل عما إذا كان أوباما يفخر فعلاً بسياسته، أم أنه يحاول إقناع نفسه. يدفع البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة لم تترك شيئًا يفيد إلا وفعلته، رغم أن كبار مستشاري أوباما كانوا يطرحون سلسلة من الخيارات على طول الطريق: تدمير المروحيات التي تلقي هذه القنابل البرميلية، تقديم التدريب أو العتاد للمعارضين المعتدلين، إنشاء منطقة آمنة يمكن من خلالها للمعارضين والأشخاص النازحين لم شملهم. تتذكر أكين كيف كان السوريون آنذاك يعتقدون بأن الولايات المتحدة ستنشئ منطقة آمنة.
وتقول: «كانوا يقولون، أميركا ستفعل شيئا بالتأكيد. لا بد أن يقوموا بذلك. وكان هذا مفجعًا لأنني كنت أعرف أن السياسة لن تتغير. لكن ذلك كان أملهم الوحيد».
قالت أكين إن آخر «بصيص أمل» لدى السوريين اختفى عندما تدخلت روسيا، وهاجمت المدنيين.
في النقاشات الدائرة في واشنطن حول العقيدة والدور الأميركيين، من السهولة بمكان أن ننسى أن هنالك بلدًا يجري تدميره. عندما سألت أكين عما إذا كان يمكن جمع شتات هذا البلد من جديد، قالت إنها تعتقد بأن موهبة وذكاء الشعب السوري يمكن أن يساعده على تجاوز الكثير، إذا انتهت الحرب في وقت قريب بما فيه الكفاية. ولكن «إذا امتدت لـ5 أو 10 سنوات أخرى، فعندئذ لا، لن يبقى فيها من أحد».
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشرق الأوسط وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة