يعود الصراع العسكري والقانوني إلى عام 1991، عندما أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي
رغم أن الجانب القانوني للصراع بين أرمينيا وأذربيجان، حول إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، واضح المعالم، إلا أن مصالح القوى الكبرى جعلت منه صراعاً ممتداً، في منطقة سيطرت عليها روح العداء بين الأرمن والأذربيجانيين، حيث إن مرد العداء يعود لأسباب عرقية ودينية وتاريخية، بخاصة إبان سيطرة الإمبراطورية العثمانية على تلك المناطق قبل عدة قرون. إلا أن بوادر تفجر الصراع في إقليم ناغورنو كاراباخ تحديداً تعود إلى عشرينات القرن الماضي.
ويعود الصراع العسكري والقانوني إلى عام 1991، عندما أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي، وكان إقليم ناغورنو كاراباخ قد ضُم إدارياً إلى جمهورية أرمينيا عام 1923 إبان حكم ستالين، رغم وقوعه في قلب أذربيجان، وفي المقابل ضم ستالين إدارياً منطقة ناختشيفان الواقعة جغرافياً في قلب أرمينيا، التي تقيم فيها أغلبية أذرية إلى أذربيجان.
وفي عام 1993 أعلن الأرمن من سكان ناغورنو كاراباخ استقلالهم عن دولة أذربيجان، وتم الإعلان عن قيام دولة جديدة منفصلة بعد عقد استفتاء تمت مقاطعته من قبل الأذربيجانيين القاطنين بالإقليم. وقد أدلت الأغلبية الساحقة من الناخبين بأصواتهم لصالح قيام جمهورية مستقلة في ناغورنو كاراباخ، مما أدى إلى نشوب النزاع المسلح حول ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، حيث قتل الآلاف وشرد مئات الآلاف بسبب النزاع، إلا أن الحرب توقفت عام 1994، وما جرى مؤخراً يعد انهياراً مفاجئاً لاتفاقية الهدنة التي وقعت في بيشكيك عاصمة قرغيزستان في 5 مايو/أيار 1994. ووفقاً لتلك الهدنة، وافق أطراف النزاع على وقف لإطلاق النار اعتباراً من 12 مايو/أيار 1994، الذي استمر حتى الثاني من إبريل/نيسان الحالي.
يعد إقليم ناغورنو كاراباخ من الناحية القانونية جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدولة الأذربيجانية. وطالما أن الأمم المتحدة لم تعترف بالإقليم كدولة مستقلة، فإن أي تدخل عسكري يشكل انتهاكاً للمادة (2) الفقرة (4) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أنه: «يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة». إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن منطقة أراد أغلبية سكانها الأرمن الانفصال عن أذربيجان، لكن المحاولة الانفصالية غير معترف بها دولياً حتى الآن، ومهما يكن من أمر، فإن هذه المنطقة الساخنة هي من مخلفات الحرب الباردة، وهي انعكاس لتضارب المصالح الجيوسياسية والعرقية بين روسيا وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وإيران، وهكذا بدأ الصراع بعد ربع قرن من اندلاعه، ومن الممكن أن يجر إلى حرب بالغة التعقيد.
ويمكن تصنيف هذا النزاع المسلح بحسب القانون الدولي الإنساني، على أنه نزاع مسلح دولي في شقه المتعلق بين أرمينيا وأذربيجان، ونزاع مسلح غير دولي في شقه المتعلق بين أذربيجان وبعض السكان الأرمن، الذين يقطنون إقليم ناغورنو كاراباخ، الذي يعد أرضاً أذرية وفق القانون الدولي، كما أن السكان يعدون أذربيجانيو الجنسية على الرغم من انتمائهم لأثنية الأرمن.
إن صعوبات التوصل إلى حل سلمي تبدو كثيرة، في ظل ضعف الحوافز التي يمكن البناء عليها للوصول إلى حل يرضي رغبات شعب الدولتين، علاوة على معوقات أخرى كالصراع التركي الروسي القديم، حيث تدعم موسكو الموقف الأرمني بقوة، وفي نفس الوقت تستفيد من ثراء أذربيجان، فتكتفي ببيع السلاح لها. فضلاً عن مواقف إيران لاعتبارات تاريخية ومذهبية، إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النفوذ في تلك المنطقة الاستراتيجية والغنية.
إن قوس المشاكل الممتد في خواصر روسيا الغربية والجنوبية المتاخمة لتركيا، علاوة على التدخل الروسي في الأزمة السورية وسياقات حله المتعثرة، تبدو أن هذه الأزمة تحديداً، هي من قبيل إدارة الأزمة بالأزمة، لذا تبدو فرص استيعابها وإمكانية حلها دونها صعوبات في المدى المنظور، وهي مرشحة لعمليات شد وجذب ربطاً بالحرب الباردة بين موسكو وأنقرة، علاوة على أطراف ومحاور تدعم وتتحالف مع كل منهما، وهنا تكمن بالذات تعقيد وتشابك الأزمة الممتدة، التي سيتداخل فيها عوامل محفزة للانفجار لاحقاً.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الخليج وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة