بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أربعة مليارات وتسعمائة مليون دولار (4٫9 مليار دولار) في نهاية العام الماضي
استقبلت مصر أمس ضيفا كريما وعزيزا هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ولم يكن هناك أكثر تعبيراً عن خصوصية الزيارة من كلمات بيان الرئاسة الذي سبق وصول الضيف الكبير إلي القاهرة بساعات قليلة. والذي لخص الأجواء الإيجابية، خاصة ما قاله المتحدث باسم الرئاسة من أن مصر لن تنسى لجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز مواقفه المُقدّرة والمشرفة إزاء مصر وشعبها، حيث تمثل الزيارة الأولي التي يقوم بها الملك سلمان إلى مصر، منذ توليه مقاليد الحكم، بحق تتويجاً للعلاقات الأخوية الوطيدة التي تجمع بين البلدين، ويضيف إلي أهميتها توقيتها البالغ الدقة، في وقت تتعرض فيه المنطقة العربية لتحديات كبيرة ومؤامرات من الشرق والغرب تتطلب وحدة الصف والكلمة ومواصلة التعاون والتنسيق حول مختلف الملفات الإقليمية.
وما لا يمكن الجدل بشأنه اليوم، في ظل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، هو دور مصر والسعودية في تشكيل درع حماية للمصالح العربية، في وقت لا تحتمل المنطقة مزيدا من الصراعات المسلحة الدامية، التي مزقت دولا وشردت أعدادا هائلة من أبناء الأمة دون أن يرتكبوا جريرة أو يكون لهم ذنب فيما يجري علي الأرض العربية من عنف وترويع وقتل وإرهاب غير مسبوق.. فالتشاور والزيارات رفيعة المستوى لقيادات البلدين تعزز العلاقات وترتقي بها إلي مستويات جديدة، وتزيل اللبس في بعض المواقف، وتقرب الرؤى وتدفع التنسيق والتعاون على جميع الأصعدة لمواجهة تحديات الأمن القومي العربي (والخليجى جزء منه) والمخاطر الإقليمية والخارجية.
محادثات الرئيس عبدالفتاح السيسي وخادم الحرمين الشريفين ستتطرق إلي تقييم مجمل الأوضاع العربية في المنطقة الآن، سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن، وهي الدول الثلاث التي دخلت في قلب الخطر، ويتهددها الزوال من علي خريطة المنطقة في إطار نظرة أوسع للمخاطر التي تتهدد العالم العربي.. ومن هنا يكون دور عمود الخيمة (مصر والسعودية معا) وقيمة التنسيق والتعاون بينهما مسألة مصيرية، ليس من باب أنه «ضرورة» فقط، بل يجب أن تؤكد الزيارة أنه «اختيار» قيادتي البلدين عن وعي وتقييم ناضج للأوضاع في المنطقة.
إن أهم التحديات في المنطقة مازال يتمثل في خطرين أساسيين هما: إسرائيل المحتلة للأراضي العربية وللأسف الجمهورية «الإسلامية» الإيرانية صاحبة الأطماع التوسعية. فكلاهما يدبر في الخفاء ما لا طاقة لنا بتحمله، ولا يمكن وقف ما يفعلانه من مؤامرات علي الأمن القومي العربي دون تدابير عربية مشتركة، تقف في وجه العاصفة الهوجاء، وتشعر المواطن العربي بقدر من الطمأنينة.
القراءة الناضجة في تلك المرحلة تقول إن المسألة فيما يجري ليست في دعم أنظمة أو أحزاب فهذا هو الجزء العلني الظاهر علي السطح، لكن الجزء الأكثر غائص في العمق وهو محاولات الاختراق للمجتمعات العربية. في حالة إيران، ليس المقصود هنا احتلال جزر الإمارات الثلاث أو حتي عمليات »التشيع« فنحن أصلا لسنا طائفيين.. وإنما محاولات توظيف بعض القيادات في بعض المواقع ومحاولات اختراق الصحف العربية، وأبلغ تعبير عن ذلك قول مسئول إيراني كبير إن هدف إيران هو إقامة الامبراطورية الفارسية وعاصمتها «بغداد»!!! إلي جانب تصريحات أخري عن وجود إيران اليوم في أربع عواصم عربية.
..............
في هذا الإطار دعونا نتحدث بصراحة عن الحالة السياسية العربية، فالمسئولون العرب عادة ينتابهم حالة جزع من الحديث عن اختلافات في الرؤي والمواقف..... هذه الحالة (ولاسيما في خضم تطورات وسائل الاتصال في العقد الثاني من القرن الحادى والعشرين) يجب أن تنتهي ومن مصلحة الشعب العربي أن تنتهي سريعا ونلتفت لمقدرات الأمة ومصيرها.
لابد من الاعتراف بوجود بعض الاختلافات في المواقف وهو أمر طبيعي، والأجدي هو الدخول في حوار عميق لا يخفي هواجس ولا يحجب حقائق ما يمنح العلاقات عمقاً أكبر، فنحن نحتاج إلي حوار عميق بين المسئولين والأكاديميين والمثقفين والكتاب في مصر والسعودية في صورة حوار راق متحضر بعيد عن الاستعراض والتجاوزات والبذاءات التي يلجأ إليها البعض... حوار يدرك المشاركون فيه أن هناك تغييرا قد حدث بسبب ما يسمي بـ «ثورات الربيع العربي».. فليس هناك حكم علي رأي أو مصادرة للآراء أو لوسائل التعبير في ظل تفهم كل بلد لظروف البلد الآخر.. كما انه لا يوجد في عالم اليوم كاتب هو صدي لسلطة أو لحاكم.... إن طرح مختلف الرؤي والمواقف والاختلافات علي طاولة الحوار هو «ضرورة لبناء سليم للعلاقات» لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.
..............
قبل أيام جمعني لقاء مع سمو الأمير تركي الفيصل والسفير السعودي بالقاهرة أحمد قطان في حضور عدد من الشخصيات العامة من النخب السياسية والفكرية في منزل الصديق وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، ودار حوار راق متحضر طرحت خلاله شخصيا نقطة خلافية تتعلق ـ من وجهة نظري ـ بوجود ازدواجية في الموقف من المنظمات الإرهابية في المنطقة.. لم ينزعج الأمير تركي ولا السفير قطان بل جاء رد الأمير تركي مهذباً وراقياً، بل ولفت النظر إلي أن هناك مواقف للسعودية لم تحظ بإلقاء الضوء عليها من جانب الإعلام المصري. وزاد السفير نبيل فهمي برواية حول التشاور بينه (وقتما كان وزيرا للخارجية) وبين المغفور له الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أثناء اجتماعات لمجلس الجامعة العربية بشأن قرار خاص بسوريا في وقت كان باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة يرغب في توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا وكيف كان الأمير سعود الفيصل منفتحا علي النقاش بل إن الأمير سعود ظل علي اتصال بفهمي «بعد ترك المنصب» (في لفتة راقية منه) لإطلاعه علي التطورات في موضوع آخر (خاص بإيران) كان موضع نقاش بينهما.. مثل تلك الحوارات هي نموذج واضح للرقي والانفتاح علي مشاكلنا وقضايانا دون خشية من اختلاف الرؤي.. وهذا هو المقصود بالحوار الهادئ والراقي المتحضر الذي تكون نهايته الطبيعية الوصول إلي رؤية مشتركة.. فالتحديات التي نواجهها معا الآن هي تحديات وجود.. وليست مجرد مخاطر عابرة.
..............
برنامج زيارة الملك سلمان إلي القاهرة لمدة خمسة أيام يوفر الأرضية والمناخ اللازمين لإطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الإستراتيجية بين بلدين يقفان علي أرضية صلبة في مواجهة قوي الإرهاب التي تريد الفتك بهما ولكنهما أثبتا في الأعوام الخمسة الماضية قدرة علي الوقوف في وجه الخطر حتي لو في ذروته، فلا يمكن أن ننسي موقف السعودية، قيادة وشعباً، من ثورة 30 يونيو وموقف المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز من دعم الشعب المصري في دحر جماعة الإخوان وتقديم المساندة السياسية المطلوبة عالميا في توقيت كانت دول أخري، بعضها شقيقة للأسف، تدبر المؤامرات وتدفع لشركات علاقات عامة في العواصم الغربية من أجل نسف ثورة 30 يونيو وتشويه واحدة من أعظم الانتفاضات الشعبية في التاريخ الحديث والتي كتبت تاريخا جديدا للمنطقة بعد أن كادت قوي الظلام تبسط سحابة داكنة فوق سمائها. واستكمالا لمسيرة الراحل الكبير، يواصل الملك سلمان دعم بلاده لمصر علي مستويات عدة وسبق أن أعلن في ديسمبر من العام الماضي عن مساعدة مصر في تلبية احتياجاتها البترولية على مدى السنوات الخمس المقبلة وزيادة الاستثمارات السعودية بمصر لتصل إلى ما يعادل 8 مليارات دولار.
العلاقات السياسية قاطرة العلاقات الاقتصادية ..
حسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن مجلس الأعمال المصري ـ السعودي، تحتل الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات الدولية، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أربعة مليارات وتسعمائة مليون دولار (4٫9 مليار دولار) في نهاية العام الماضي بزيادة قدرها 6٫8 % في الفترة ما بين 2012 و2015. وفي نهاية العام الماضي، وصل حجم الاستثمارات السعودية في مصر إلى قرابة 6 مليارات ومائة مليون دولار، أي ما يعادل 11% من إجمالي الاستثمارات العربية والأجنبية بينما يبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في مصر 3691 شركة تتوزع أنشطتها على مختلف القطاعات الاقتصادية، وعلي قائمة الاستثمارات السعودية المرتقبة عدد من المشروعات الكبيرة التي ناقشها المجلس التنسيقي المصري ـ السعودي.
وتؤكد تصريحات كبار المسئولين المصريين في الأيام الأخيرة حل قسم كبير من مشكلات المستثمرين السعوديين في مصر في إطار تهيئة مناخ أفضل للاستثمار والحرص علي تواصل مستمر وممتد مع رجال الأعمال السعوديين بما يليق بالعلاقات السياسية الإستراتيجية والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة