الخطورة في هذا التزييف أو التزوير أنه ينطلي على عدد غير قليل من القراء الذين يصدقون كل ما ينشر
يُشكِّل الإعلام في صورته المثالية وسيلة من الوسائل الضرورية للارتقاء بالوعي الإنساني. والمصطلح كما يتمثَّل في كلمة «إعلام» على صلة ما بالعلم، فهو يحرر الإنسان من الجهل بالأمور، ويخرجه من دائرة من لا يدركون ما حولهم، وما يراد لهم وبهم. ذلك هو الإعلام في صورته المثالية التي ينبغي أن يكون عليها، إلاّ أن التغيرات المتوالية في الحياة، وفي المخترعات العلمية، قد لعبت دوراً في تشويه رسالة الإعلام من خلال وسائل التواصل الحديثة كالفيس بوك مثلاً، الذي يقوم بعض المستفيدين من مجاله الإعلامي المفتوح باقتراف أبشع الجرائم في دنيا التزييف والتزوير، ومن هذه الجرائم ما هو سياسي وما هو كيدي، وما هو لا أخلاقي بكل ما تحمله كلمة «اللا أخلاق» من معانٍ بذيئة ومستفزّة للمـشاعر والقيم.
ولم يعد غريباً أن تفتح عينيك صباحاً لترى اسمك هنا أو هناك في صفحة من صفحات هذه الوسيلة المفتوحة فوق أو تحت مقال لم تكتبه، ولم يخطر على بالك الاقتراب منه في يوم من الأيام.
قد يكون المقال المشار إليه مكتوباً بلغة سليمة أو بلغة بالغة السطحية والركاكة، وهذا ليس خطر الموضوع، وإنما خطورته تأتي من أنك لست الذي كتبته، ولا فكَّرت في أن تكتبه، ومع ذلك تجده أمامك منشوراً، وبعد دقائق يتصل بك صديق أو شخص مجهول يسألانك عن هذا المقال، هل أنت الذي كتبته؟
وحين تنكره وتتبرأ منه يكون قد أدّى دوره عند كثير من القراء ومنهم أولئك الذين لا يفرقون بين أسلوب وآخر، ولا يستطيعون قراءة ما وراء السطور من كيد وتلبيس. والأمر لا يتوقف عند المقالات المزورة فحسب؛ بل يتعداهما إلى الشعر، فإن كنت شاعراً ستفاجأ بمن يكتب باسمك قصيدة أو أكثر، ويسارع إلى نشرها في هذه الوسيلة، التي لا رقيب عليها ولا قيمة أخلاقية تردع المتعاطين لهذا الصنف من التزييف والتزوير الإعلامي عن الإقلاع عنها، والترفع عن ممارستها، لاسيما في زمن الفوضى والاضطرابات والخروج عن كل القواعد المتعارف عليها في هذا المجال البالغ التأثير والحساسية.
أعرف أن بعض الوسائل الإعلامية المنحرفة أو بالأحرى بعض المنتسبين إليها، كانوا يغيرون في صيغة خبر ما، أو يفتعلون تصريحاً باسم مسؤول كبير أو فنان مشهور، أما أن يتم نشر مقالات أو قصائد باسم أشخاص لا علاقة لهم بها فذلك كان نادراً أو معدوماً، ويصعب أن يحدث مثله في الصحف الكبيرة المحترمة التي اكتسبت مكانتها من مصداقيتها، وأمانة محرريها. وكما سبقت الإشارة، لم يعد التزوير والتزييف في وسائل التواصل الأحدث مقصوراً على النثر، وأعني به هنا المقالات السياسية والاجتماعية، بل تعداهما إلى الشعر فأصبحنا نقرأ قصائد منسوبة إلى شعراء كبار ليس لهم علم بها، ولم يكتبوا منها حرفاً واحداً.
والخطورة في هذا التزييف أو التزوير أنه ينطلي على عدد غير قليل من القراء الذين يصدقون كل ما ينشر، وليس لهم حظ من المعرفة بالشعر، تمكِّنهم من إدراك الفارق الواسع بين الشاعر الكبير وما ينشر له على جدار «الفيس بوك» من قصائد ركيكة تافهة، لا تمت إلى الإبداع بأدنى صلة.
إنني أكره الرقابة على الصحف، وعلى كل وسيلة إعلامية، وأثق بالصحافة الراقية الرائدة تلك التي لا رقابة عليها إلاّ ضمائر كتَّابها ومحرريها، لكن عندما يصل الأمر إلى هذا الحد في وسيلة مفتوحة للملأ وعلى الملأ فلابد من قانون يضبط المسار، ويحمي هذه الوسيلة نفسها، قبل أن يحمي الآخرين الذين بدأوا يتضررون من انفلاتها وانحراف أساليب التعبير من خلالها، والأمل في أن تقوم الجهات العلمية التي أوجدت هذا النوع من وسائل التوصيل باكتشاف وسيلة جديدة تحمي الإنسان من عدوانها، وما يترتب عليه من إفساد وانحراف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة