ورغم القلق وعدم الاستقرار النفسي الذي كان سائداً لدى معظم المراقبين لما كان يجري وراء الستار من مؤامرات وخطط قد تقود إلى تقسيم غنائم...
في خضم الأحداث والشد والمد والجار والمجرور الذي أحدثه قرار بريطانيا بالانسحاب العسكري من منطقة شرق السويس والخليج عام 1968، وتحديدها موعداً لهذا الانسحاب هو ديسمبر/كانون الأول 1971، أي خلال ثلاث سنوات من قرارها المشار إليه، أطلت «الخليج»، الصوت الإعلامي الأهلي الأول في الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 1970، أي قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، بنحو عام وشهرين.
وكان مؤسّسا هذه النشرة الإعلامية الوليدة، يعملان آناء الليل وأطراف النهار، ويبذلان من الجهد ما يضني ويتعب، ضمن إمكانات محدودة ومتواضعة أن يأتي الوليد ويخرج إلى الوجود، من دون عسر في جوّ عاصف ملبّد بالغيوم التي تسود أجواء الوطن الخليجي، لاسيما الإمارات التسع التي كان من المقرر أن تجمع أطرافها لتكون الدولة المستقلة القادمة، في هذه المنطقة المهمة من العالم، منطقة الساحل الخليجي والشرق الأوسط.
ورغم القلق وعدم الاستقرار النفسي الذي كان سائداً لدى معظم المراقبين، لما كان يجري وراء الستار من مؤامرات وخطط، قد تقود إلى تقسيم غنائم، كما حدث لجزر الإمارات على سبيل المثال، لكن الشعور في العالم العربي كان يسوده التفاؤل والسرور، بأن الدولة العربية المقبلة، ستكون قيمة مضافة للأمة ولبنة صخرية صلبة وقوية، تعضد الأمة في سيرها نحو التطور والتقدم.
وما لبث القلق أن ازداد هبوبه، بقرار البحرين، ثم قطر، أن يكون لكل منهما كيانها المستقل عن الاتحاد التساعي الذي كانت المفاوضات تجري لإنشائه، ولكن ولاة الأمور في الإمارات السبع الباقية، كانوا فوق مستوى المسؤولية التي كان يتطلبها الحزم والإرادة القويان، وعلى رأس هؤلاء، رجل الدولة القوي والربّان الكبير الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، الذي استطاع أن يقود السفينة ويوجهها إلى بر الأمان بالحكمة والروية وطول البال والتضحية ومجابهة الصعاب.
وكان هناك من الناس من يتفاعل مع الأحداث تفاعلاً في غاية الإيجابية، ويعرف ما للصحافة والإعلام من دور في إذكاء الوعي السياسي، والدعوة إلى الحياة الفضلى، ومن هؤلاء الناس رجلان شقيقان أحسّا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه الوطن، ووجوب المشاركة في بنائه والسير به إلى الأمام، وهما تريم وعبدالله عمران تريم، اللذان تعاضدا وتعاونا وتجاوزا ما كانا فيه من وضع مالي وفني غير ملائم، وكذلك الظروف السياسية التي كانت تحد من التطرق إلى كل ما يهم الناس، في ظل مخاض عسير في معظم الحالات السائدة، ومنها الترقب لئلا تحين الولادة القادمة للدولة، والجو العام غير مستقر.
وقبلت، «الخليج» أو الدار الجديدة لها، التحدي، بفضل إرادة القائمين عليها، واستمرّت هذه النشرة القيمة في التألق، وتصدت لكل عائق اعترض السبيل، حتى أصبحت اليوم في رأس قائمة الجرائد التي ينتظرها الناس في الإمارات، وفي منطقة الخليج، فجر كل يوم، منذ ما يقرب من نصف قرن. فليسبغ الله شآبيب الرحمة الواسعة، على تريم وعبدالله عمران، والبركات، لآلهما الذين آلت إليهم مسؤولية إدارة هذا الصرح الإعلامي المتميز.
*- ينشر هذا المقال بالتزامن مع صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة