وإذا أخذنا معايير الفشل هذه واحدة تلو الأخرى، يتبين أن «حزب الله» هو المسؤول عن انطباقها على لبنان
مع سلسلة الفضائح المالية والأخلاقية والخدماتية التي تعصف به، بات لبنان عملياً في مصاف الدول الفاشلة، ولو لم يقدم أحد بعد على إعلان ذلك صراحة، إذ تنطبق عليه أوصافها المتعارف عليها. بل هو يتجاوز في بعض النواحي دولاً أخرى انحدرت إلى هذه الرتبة. وينسحب هذا التراجع في التصنيف والفاعلية على تشكيلاته السياسية ووسائل إعلامه بمختلف تلاوينها، والسلوك الفردي والجمعي لمواطنيه والمقيمين فيه، والقليل المتبقي من المشترك بينهم.
وفي التعريف الأوّلي لأعراض الدولة الفاشلة، أن تفقد سلطاتها قدرتها على بسط سيادتها الفعلية على أراضيها، وتخسر وحدانية حقها في الاستخدام المشروع للقوة في نطاقها الجغرافي أو عبر حدودها، أي امتلاكها قرار السلم والحرب، وأن تعجز عن اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وتقصّر عن توفير الحد الأدنى المعقول من الخدمات العامة، وأن يتدهور تفاعلها مع الدول الأخرى وبالتالي دورها في الهيئات الإقليمية والدولية.
وإذا أخذنا معايير الفشل هذه واحدة تلو الأخرى، يتبين أن «حزب الله» هو المسؤول عن انطباقها على لبنان، ذلك أنه يمسك بالمفاصل الأمنية والسياسية للبلد، فيمنع السلطات الشرعية التي لا يسمح باكتمال عقدها من ممارسة عملها، ويبقي على احتمال إسقاطها عبر التهديد الدائم بسحب وزرائه من الحكومة، فيما يعطل البرلمان ويحول دون انعقاده، ويتلاعب بالقوى العسكرية والأمنية التي ينخر معظمها الفساد.
ويستأثر الحزب منذ استقوائه بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام ألفين، بحق خوض الحروب ووقفها، غير عابئ بالمصالح الوطنية ولا بإجماع اللبنانيين، ولا حتى بإجماع بيئته الحاضنة في الجنوب التي تدفع ثمن مغامراته في كل مرة. ولا يكاد يمر خطاب لأمينه العام من دون التهديد بحرب جديدة لا يعرف أحد كم ستكون كلفتها على لبنان واللبنانيين، وكل ذلك تحت شعار «الحفاظ على لبنان من أطماع إسرائيل».
وإلى جانب التهديد الدائم بالحرب جنوباً، يخوض الحزب حرباً في سورية الى جانب نظامها، وضد غالبية شعبها، وأيضاً بقرار منفرد لا يحظى بموافقة معظم اللبنانيين. وهو أقر أخيراً بأنه أرسل رجاله أيضاً إلى اليمن، وقبل ذلك إلى البوسنة، وربما إلى مناطق أخرى لم يكشف عنها.
وفي موازاة ذلك، تقطّع الحكومة اللبنانية الوقت، عاجزة عن معالجة مشكلات مواطنيها وتخفيف معاناتهم، وغير قادرة على توحيد كلمتها حول أقل القرارات شأناً، حتى تدنى أداؤها إلى مجرد دفع رواتب الموظفين وتمرير بعض التعيينات استرضاء لهذا الطرف أو ذاك. وكانت أزمة النفايات الأخيرة الدليل الأوضح على تدهور الخدمات العامة وعلى حال المراوحة التي تعيشها المؤسسات الحكومية والتضارب بين أطرافها، بسبب إمعان «حزب الله» في إضعافها وتفتيتها حماية لمصالح طائفته وحلفائه المرتهنين مثله للقرار الإيراني والسوري.
وأدى هذا إلى جعل لبنان شبه منبوذ في المحافل العربية، وأحياناً الدولية، ولا سيما بعد خروج وزير خارجيته المتحالف مع الحزب عن الإجماع العربي، والتزامه الدفاع عن سياسات إيران وتدخلاتها في المنطقة، فاقداً صفته التمثيلية لبلده، ثم توّج ذلك بامتناعه عن لقاء الأمين العام للأمم المتحدة أثناء زيارته بيروت، بسبب انتقاده جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري.
وفوق كل ذلك، يشن «حزب الله» حملة تجنّ على ما تبقى من علاقات عربية للبنان، وخصوصاً مع دول الخليج، مشدداً على «البديل الإيراني»، ما يشي بأن الفشل الذي وصل إليه البلد يتجه نحو التفاقم، وأن ما بدأ بإجراءات مجتزأة ضده قد يتحول إلى قطيعة خليجية وعربية شاملة.
* - ينشر هذا المقال بالتزامن مع جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة