اختزل الحاقدون نتائج زيارة الملك سلمان لمصر، في الجزء المتعلق بإعادة جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية، وخلقوا فتنة لحرق نتائج الزيارة
الزيارة التي يقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمصر، أغضبت نتائجها اللحظية الكثيرين في الداخل والخارج، ومن المحيط الإقليمي والعالمي، وبدأ البعض، سواء قلة أو كثرة، في نفخ النار بهدف إشعال الفتنة، وسعي البعض إلى اختزال الزيارة في اتفاقية ترسيم الحدود، خصوصا الجزء المتعلق بجزيرتي "تيران" و"صنافير" بخليج العقبة والبحر الأحمر.
ونسى الكثيرون نتائج الزيارة في شقيها الاقتصادي والسياسي، وتحولت المعركة إلى اختصار زيارة الملك فيما أسماه البعض تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة، في اليوم الثاني للزيارة، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى معركة ضد الزيارة والملك والسعودية والرئيس عبدالفتاح السيسي.
وهو ما وصفه المؤرخ المصري الكبير دكتور عاصم الدسوقي بـ"الجهل التاريخي"، الذي دفع آلاف البشر للانسياق ضمن ثقافة القطيع، دون أن يجتهد أحد في أن يبحث عن الحقيقة، في تاريخ البلدين، وتحول الأمر في الإعلام الافتراضي والعام إلى معركة لإفشال ما أسفرت عنه الزيارة لصالح البلدين.
وتر العاطفة
الاتهام الرئيسي في ارتفاع حدة الأزمة كان للإعلام، الذي اتهمه مختصون وسياسيون ومؤرخون بإشعال "نار الفتنة" بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وفقًا لوصف الباحث السعودي "حمود أبوطالب" واختيار أعداء البلدين في الداخل والخارج وتر العاطفة ونقص المعلومات لمزيد من ارتفاع حدة لهب إثارة الخلاف بين مصر والسعودية.
ولم تفلح جهود الحكومة في صد التكهنات والشكوك ذات الصلة بتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، وفي بداية التصدي لفريق حاملي النار ذكر مجلس الوزراء المصري في بيان يوم السبت، "إن الرسم الفني لخط الحدود البحرية بين مصر والسعودية أسفر عن أن جزيرتي تيران وصنافير الموجودتين في البحر الأحمر تقعان في المياه الإقليمية للمملكة"، ورغم كل التبريرات المعلوماتية ظل اللاعبون بالنار في رفع مواقدهم حتى لا تنطفأ نار الفتنة.
الدكتور عاصم الدسوقي والمؤرخ المعروف، أوضح أن جزيرتي تيران وصنافير، تاريخيا تابعتين لإقليم الحجاز، وجزيرة تيران تقع عند مدخل مضيق تيران الفاصل بين خليج العقبة عن البحر الأحمر، على بعد نحو 6 كيلومترات عن الساحل الشرقي لسيناء وتبلغ مساحتها نحو 80 كليوامترا مربعا، أما جزيرة صنافير فهي مجاورة لجزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومترا مربعا، وبعد احتلال إسرائيل لجزيرة أم الرشراش "إيلات حاليا" في عام 1948، خشي الملك عبد العزيز من تمدد إسرائيلي للجزيرتين، فاتفق مع مصر في هذا الوقت على ترك ضم سيادتهما لمصر لحمايتهما.
فجوة تاريخية
من الواضح أن هناك فجوة تاريخية لا يعلمها كثيرون، في هذه القضية، وهو ما استغلها البعض للنفاذ منها لإثارة نزاعات خلافية، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بحالة من الجدل الشديد، بشأن السيادة المصرية والسعودية على الجزيرتين.
وهذا ما دعا بعض المتخصصين بالقول "الجهل بالتاريخ يفعل أي شيء"، حسب تعبير الدكتور الدسوقي، والمعنى نفسه قاله آخرون، واستند البعض في تفسيرهم لوجهات نظرهم، إلى أن القضية تعود إلى عام 1906 عندما تم توقيع معاهدة تحديد الحدود الشرقية لمصر مع الدولة العثمانية وشملت "الحدود تبدأ بخط يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب أم الرشراش "إيلات حاليا".
والشيء الملفت في قضية الجزيرتين، اتفاق طرفي الخلاف الحالي على نقطة مهمة تتعلق بأنه "في عام 1950 اتفقت مصر والسعودية، رغم النزاع بينهما على بقاء الجزيرتين تحت السلطة المصرية، وأرسلتا لبريطانيا وأمريكا ما يفيد بذلك".
وحسب نص بيان مجلس الوزراء؛ جاء أن "جلالة الملك عبد العزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين، وهو ما استجابت له وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ".
والتاريخ ما زال يقول "في عام 1954 أرسلت السلطات المصرية للأمم المتحدة ما يفيد أن الجزر مصرية وليست سعودية عند توقيع اتفاقية 1906، وبعدها بنحو 3 سنوات، عام 1957 أرسلت السعودية للأمم المتحدة ما يفيد أنها تعتبر الجزيرتين أراضي سعودية"، وهو ما فسره دكتور محمد الجيار أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة بأن "هذا يأتي في إطار الخلاف السياسي، وليس الأصل التاريخي".
وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، تم تحويل الجزيرتين إلى محميات طبيعية، خاضعة للحكومة المصرية، وحسب اتفاقية السلام تتواجد قوات دولية متعددة الجنسيات في تلك الجزر الواقعة ضمن المنطقة "ج" حسب تقسيم اتفاقية السلام.
الجسر البري
ولم يكشف أحد حتى الآن عن أن الجزيرتين كانا سببا لرفض الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك مشروع الجسر البري بين مصر والسعودية، باقتراح من العاهل السعودي السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود؛ حيث رفض المشروع حينها بسبب مخاوف أمنية تتعلق بالجزيرتين محل الخلاف.
والجزء الذي ظل في إطار التفاوض الدبلوماسي بين البلدين، وسط عدم اهتمام إعلامي، أو ربما جزء منه كان عبارة عن مفاوضات سرية، خصوصا بعد إصدار الملك الراحل في 12 يناير 2010، مرسومًا ملكيًّا يقضي بترسيم الحدود البحرية للمملكة في عمق البحر الأحمر مع كل من مصر والأردن والسودان، وأبلغت المملكة بذلك الأمم المتحدة، التي بدورها أبلغت مصر بهذا الأمر، فأصدرت القاهرة إعلانا دوليا بأنها "سوف تتعامل مع خطوط الأساس الواردة إحداثياتها الجغرافية بالمرسوم الملكي السعودي".
ومن عام 2011 جرت كثير من المفاوضات بشأن الجزيرتين؛ حيث أجرى رئيس الهيئة العامة للمساحة بالسعودية مباحثات لمدة يومين حول ترسيم الحدود بين البلدين، وفي زيارة وزير الدفاع السعودي في 2015، أثيرت قضية ترسيم الحدود مرة أخرى، وكانت القضية جزءًا من مفاوضات اللجان المشتركة التي انتهت باتفاقية ترسيم الحدود خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة.
الجدل لن يتوقف حول "تيران" و"صنافير"، وسيظل من يبحث عن منافذ لإثارة نزعات الخلاف، هكذا هو التاريخ والجدل السياسي، وفق رأي الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومساعد مدير تنفيذي سابق بصندوق النقد الدولي، لكنه قال "الجزيرتان كانتا أمانة لدى مصر، ولا بد من رد الأمانات إلى أصحابها".
جدل مستمر
القضية لم تنتهِ بعد، فوفقا للدستور، موافقة البرلمان المصري على الاتفاقية مسألة رئيسية لنفاذها، وحسب تصريحات رئيس الوزراء المصري، "إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر والسعودية سيتم عرضها على البرلمان للتصويت عليها"، وفي الغالب سيتم التصديق عليها، وسيبقى الجدل مستمرا، وسيظل مشعلو النار من داخل وخارج البلدين على مواقفهم.
لكن إلى متى، سؤال من الصعب الإجابة عليه وفقا لكلام دكتور محمد الجيار أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة، خصوصا أن الزيارة أسفرت عن نتائج أكبر من توقعات المحللين؛ حيث تشير الأرقام إلى إبرام ما يقارب 40 اتفاقية سياسية واقتصادية، وأمنية، وخدمية، وتتجاوز قيمة الجزء الاقتصادي منها 25 مليار دولار"، فهل سيتم اختزال كل ذلك في الجزيرتين اللتين ستكونان جزءًا من مسار الجسر البري بين مصر والسعودية مع مسؤولية أمنية مصرية عليهما؟!
aXA6IDE4LjExOS4xMjUuMjQwIA== جزيرة ام اند امز