ثمة تحديات كثيرة ومتنوعة الأسباب والأبعاد، واجهت العمل الإسلامي المشترك للدول الإسلامية، إن كان إبان منظمة المؤتمر الإسلامي
ثمة تحديات كثيرة ومتنوعة الأسباب والأبعاد، واجهت العمل الإسلامي المشترك للدول الإسلامية، إن كان إبان منظمة المؤتمر الإسلامي، أم بنسختها المجددة، منظمة التعاون الإسلامي. وفي كلا الحالتين، عقدت ثلاث عشرة قمة بدأت في العام 1969 بعد إحراق المسجد الأقصى من قبل
المتطرفين «الإسرائيليين»، وانتهت بقمة إسطنبول الثالثة عشر، وسط بحر من الأزمات والنزاعات التي تعج بها المنطقة. وبين هذه القمم ومقرراتها، ثمة آمال علقت سابقاً وربما لاحقا، على إمكانية لم الشمل الإسلامي الذي تعصف به، ليس تباينات بينية فقط، وإنما اتهامات لا تمت للإسلام بصلة، بل ألصقت به عمداً وعنوة عبر سلوكيات تقوم بها أطراف أساءت للإسلام والمسلمين، ما يتطلب جهداً عملياً مضاعفاً لاحتواء الأضرار ومحاولة إصلاح الصور الفظة التي تركت آثاراً لم تمر بها الأمم والشعوب الإسلامية في مختلف حِقبها التاريخية السابقة.
فعدا عن التحديات الاقتصادية - الاجتماعية التي لعبت دوراً في إبراز بعض المظاهر السلبية لسلوكيات بعض التنظيمات المتطرفة، ثمة تحديات من نوع آخر، هي أشد إيلاماً وتعقيداً، وتظهر في صعوبة إعادة تكوين الصور النمطية للمجتمعات الإسلامية التي من المفترض أن تكون عليها حالياً، لجهة إبراز القيم الإسلامية بوجهيها الديني والدنيوي، سيما وأن صوراً أكثر من مشوهة، ظهرت مؤخراً وتستلزم استراتيجيات جادة في الرسم والتنفيذ، لمحو ما ألحق بالمجتمعات الإسلامية من تُهم مهولة، لا يستوعبها عقل بشري يعيش في القرن الحادي والعشرين.
نعم إن حال الأمم الإسلامية حالياً في وضع يرجعه البعض إلى صور نمطية سادت إبان عصر الجاهلية، وهي صور مخزية لا تمس السلوكيات فقط، وإنما يحاول البعض إلصاقها بما هو أخطر من ذلك بكثير، عبر محاولة إسقاط التصرفات وكأنها جزء من إيديولوجيات دينية، فيما الواقع مختلف تماما، ودليل ذلك ما قدمه الإسلام والمسلمون من إثراء للثقافات والحضارات في العديد من الحقب التاريخية السابقة، والغرب يعترف بذلك دون لبس، في الكثير من كتابات مفكريهم ومنظريهم.
إن التدقيق في مقررات القمم الإسلامية الثلاث عشرة، تكاد تكون متشابهة في مضامينها، بالنظر للقضايا التي تطرقت إليها وحاولت معالجتها، ما يعني أن أغلب تلك القضايا والمسائل ظلت موجودة لسبب أو لآخر، مع عدم إنكار غياب بعضها نتيجة حلها أو تلاشي ظروفها أو أطرافها. أما أبرز ما واجه برامج أعمالها مسائل الإرهاب ومتفرعاته، التي باتت جزءاً من يوميات المجتمعات الإسلامية، أينما وجدت وتحت أي نظم تعيش. طبعا ذلك لا يلغي أو يغيب قضايا أخرى كالقضية الفلسطينية تحديداً، أو بعض الأزمات المستجدة.
وعلى الرغم من انتقال عمل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مستوى التعاون الإسلامي كتسمية للتجمع، إلا أن الملاحظ في هذه النقلة النوعية للتسمية، لم تنسحب فعلياً على تنفيذ مقررات قممها أو سلوكيات العلاقات البينية لدولها. ما يعني أن ثمة مشكلة ما ينبغي الاعتراف بها ومحاولة احتوائها وحلها.
لقد دخلت الكثير من الأزمات المستجدة في الحياة السياسية لمنظمة التعاون الإسلامي، وطرحت تحديات جديدة، وسط تباينات وحتى نزاعات موصوفة بين دولها، ذلك حدث ويحدث وسط ضمور فعالية معظم دولها في حل مشاكلها الداخلية والبينية، إضافة إلى العامل الخارجي الذي يفعل فعله في تأجيج الأزمات والنزاعات التاريخية والمستجدة.
بات الوقت ينفد أمام المسلمين، لإعادة الاعتبار لأممهم وشعوبهم وأنظمتهم، في عالم متغير وبوتيرة متسارعة، ووسط تزايد التحديات النوعية التي تسهم في إعادة إما التركيب أو التفكيك، ما يتطلب رؤى مبدعة وخلاقة لتجاوز الكثير من الحيثيات الصغيرة، التي لا معنى لها أمام القضايا الكبرى، كالمتعلقة بالمجتمع البشري وسلوكياته الإنسانية وهنا بالتحديد مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، باعتباره بيئة ضاغطة في كل مكان وزمان، علاوة على القضية المركزية التي أنشئت من أجلها منظمة المؤتمر الإسلامي وبالتحديد لجنة القدس، المعنية بأيقونة الإسلام والمسيحية على السواء «القدس الشريف» والاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين.
إن ما تملكه دول المنظمة من إمكانات حضارية وثقافية ومادية وبشرية، تجعلها في مصاف المنظمات العالمية القادرة على إبراز قضاياها النوعية، وبخاصة ذات البعد العالمي والإنساني، ذلك مرهون بشروط الفعالية في المنظمات الإقليمية والدولية، ومن بينها مثلاً لا حصراً، الأمن الجماعي المشترك لأعضائها وتوحيد السياسات الخارجية وغيرها، فهل ستكون التسمية «التعاون»، باباً في المستقبل لمواجهة التحديات المشتركة؟ سؤال، الإجابة عنه مرهونة بمدى توفر شروط الفعالية، وللأسف هي غير متوفرة حالياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة