بعد يومين من الآن تعقد في الرياض (القمة الخليجية الأمريكية)، وستشهد عاصمة الحزم والأمل اجتماعات خليجية أمريكية
بعد يومين من الآن تعقد في الرياض (القمة الخليجية الأمريكية)، وستشهد عاصمة الحزم والأمل اجتماعات خليجية أمريكية يشارك فيها ولأول مرة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية لبحث عدد من الملفات الإقليمية الساخنة جدًا التي تتطلب من الولايات المتحدة اتخاذ موقف واضح تجاهها بعد أن راهنت على اتفاقها النووي مع إيران بأنه سيكون عاملاً للأمن والاستقرار في المنطقة، بعد ما أثبتت التطورات اللاحقة بأن إيران لم تنحرف قيد أنملة عن الالتزام بخط الخميني الذي انطلق مع الثورة الإيرانية في (فبراير 1979م) وتنفيذ مبادئها بالتمدد الشيعي بدول الجوار الإقليمي والدول العربية لتثبيت نظام (ولاية الفقيه) كنظام إقليمي معترف به عالميًا، وهذا يفسر حرصها المستميت على استمرار وتعميق الأزمات (السورية واليمنية والعراقية)، ويبين أسباب تدخلاتها المستفزة والمتعمدة في الشؤون الداخلية للعديد من دول المنطقة وبالأخص (المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الكويت ولبنان) والتي ندد بها بيان قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت مؤخرًا في إسطنبول.
ومع تشابك خيوط الأزمة السورية، وتصنيف الجامعة العربية لمنظمة حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وظهور وثائق قضائية جديدة تثبت تورط حزب الله وإيران في تفجيرات برجي التجارة العالميين في (سبتمبر 2001م)، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز علاقاتها مع إيران بعد الاتفاق النووي (يوليو 2015م)، وضربها لمصالحها التاريخية والاستراتيجية مع حلفائها التقليديين في المنطقة عرض الحائط، والزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض في (21 أبريل) القادم، يتضح بأن البيت الأبيض قد أدرك - ولو متأخرًا - احتمالية فقدانه للكثير من مصالحه نتيجة لسياسته الهادفة إلى تغيير الأنظمة الخليجية بالاستتار خلف (مبادئ احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير) واعتبارها أساسًا لنجاح واستمرار علاقاته المستقبلية مع دول الخليج، وعلى وجه التحديد مملكة البحرين التي يريد اتخاذها معبرًا لتنفيذ هذه السياسة وما تشهده منذ عام 2011 من انعكاسات سلبية وتداعيات خطيرة أثرت على العلاقات التجارية والعسكرية بعد وقف تصدير السلاح للبحرين منذ (2011م) بذريعة إمكانية استخدامه ضد (المعارضين) الذين استغلوا شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية لتحقيق أهداف سياسية خبيثة تؤكدها الكثير من الشواهد.
وبعد اتضاح الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون بعد اتفاقها النووي مع إيران والتي عكستها تصريحات الرئيس أوباما المستفزة ضد المملكة العربية السعودية خلال مقابلته مع صحيفة (نيويورك تايمز) في (6 أبريل 2016م)، تأتي القمة الخليجية الأمريكية في الرياض قبيل مغادرة أوباما للبيت الأبيض في (يناير 2017م) والتي تهدف - كما أعتقد - إلى تصحيح مسار العلاقات الخليجية الأمريكية، في الوقت الذي تؤكد فيه الكثير من الشواهد على بدء المملكة العربية السعودية في البحث بشكل جاد عن بدائل جديدة في مسار علاقاتها الاستراتيجية لتحقق أمنها واستقرارها وفقًا لمصالحها العليا.
لذلك فإن زيارة الرئيس باراك أوباما للرياض والمزمعة في (21 أبريل) الجاري قد تكون بادرة جادة لتصحيح مسار السياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون المتفاوتة بين دولة وأخرى، فهي ممتازة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وجيدة جدًا مع سلطنة عمان ودولة قطر، وعادية مع دولة الكويت، ومتشددة جدًا مع مملكة البحرين، ومتأرجحة مع المملكة العربية السعودية بسبب مكانة السعودية وقوتها الاقتصادية الكبرى ونفوذها في العالم العربي والإسلامي الذي انعكس في قيادتها لأهم تحالفين عسكريين في التاريخ الحديث وهما التحالف العربي في (عاصفة الحزم والأمل) والتحالف الإسلامي في (مناورات رعد الشمال).
وقد سبق اجتماع الرئيس الأمريكي المنتظر بأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، اجتماعا تنسيقيا على مستوى وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير خارجية الولايات المتحدة في مملكة البحرين يوم الخميس الماضي (7 أبريل) بحث القضايا المهمة في المنطقة التي من أهمها التهديدات الإيرانية الأخيرة المرتبطة بنتائج (قمة كامب ديفيد) التي عقدت في (مايو 2015م)، وتدارس تعزيز العلاقات الخليجية الأمريكية في المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية، والجهود المبذولة في سبيل تسوية الأزمات في سوريا واليمن والعراق وليبيا، وسبل مكافحة الإرهاب والحد من نشاط المنظمات الإرهابية، إلى جانب تصريحات الرئيس أوباما التي تجاوزت حدود اللياقة الدبلوماسية وانعكاساتها السلبية على العلاقات (السعودية الأمريكية).
إن مراجعة دقيقة للعلاقات الخليجية الأمريكية في ضوء التطورات المتسارعة والتهديدات المحدقة بدول مجلس التعاون تتطلب أن تكون لدى مجلس التعاون الخليجي خطة استراتيجية جديدة وعملية تحكم علاقته مع الولايات المتحدة، ترتكز هذه الاستراتيجية على التوازن، وتقوم على المصالح العليا لدول المجلس، وتبتعد عن سياسة المجاملة والتردد، وتتوقف عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة كصمام أمن واستقرار للمنطقة، وتفتح صفحة جديدة مع كافة دول العالم التي تحترم سيادة الدول واستقلالها ولا تتدخل في شؤونها الداخلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة