لهذا ينتحر الهنود الحمر في كندا
على الرغم من أن الظاهرة تنتشر أكثر في أوساط الشباب، إلا أن الانتحار يشمل جميع الأعمار من 11 إلى 71 عاما.
تحت ضغط البطالة والتهميش والإدمان على الكحول، يضع عشرات الهنود الحمر في كندا حدّا لحياتهم في أبشع تجليات الانتحار الجماعي. الظاهرة المقلقة دفعت زعيم إحدى أكبر قبائل السكان الأصليين في أمريكا الشمالية للاستغاثة والمطالبة بإعلان حالة الطوارئ في كندا.
في الـ15 أبريل/نيسان الجاري، حاول 5 شبان الانتحار، وقبل ذلك بأسبوع، اتفق 13 شابا آخر بينهم طفل في التاسعة من عمره، على وضع حد لحياتهم بشكل جماعي، لكن أحد أعيان القرية سمع حديثهم، فأبلغ السلطات التي هرعت على الفور، واقتادت المجموعة إلى أحد المستشفيات؛ حيث أخضعوا لتقييم سيكولوجي.
في شمال أونتاريو، تقع بلدة "أتاوابيسكات" التي يقطنها نحو 2000 نسمة من الهنود الحمر، أصبح السكان يحملون التهديدات بالانتحار على محمل الجد، فيسارعون في الغالب لإبلاغ الشرطة، فقد حاول 86 شخصا من أبناء القرية من أقلية "كري" الانتحار في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وعلى الرغم من أن الظاهرة تنتشر أكثر في أوساط الشباب، إلا أنها تنسحب على جميع الأعمار من 11 إلى 71 عاما، حتى أن رئيس البلدة، بروس شيشيش، أعلن حالة الطوارئ، وقال في استغاثة عبر التلفزيون الكندي: "إنني أحث أصدقاءنا والحكومة، أننا بحاجة إلى مساعدة، لديّ أبناء عمومة وأصدقاء حاولوا الانتحار".
ليست هذه القرية وحدها التي تواجه موجة من حالات الانتحار، ففي شهر مارس/آذار الماضي، أعلنت قبيلة أخرى في قرية، "بيميسيكاماك"، الواقعة غربي كندا في إقليم مانيتوبا، حالة الطوارئ إثر وفاة عدد من المراهقين، وإحصاء 140 محاولة وتهديدا بالانتحار خلال ثلاثة أشهر.
تنتشر الظاهرة نفسها بين أقوام الأسكيمو في إقليم "كييوجيواك"، في منطقة القطب الشمالي التابعة لحكومة كيبيك، في هذه المناطق المتجمدة انتحر 5 شبان، تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاما.
وتصف "جمعية الأمم الأولى"، وهي منظمة تمثل 634 من قبائل السكان الأصليين في جميع أنحاء كندا، هذا الوضع بأنه "مأساة وطنية تتطلب إجراءات فورية"، لذلك دعا رئيس المنظمة، بييري بيليغارد، لوضع "استراتيجية وطنية لمكافحة الانتحار".
أما في بلدة "أتاوابيسكات"، فقد جرى تنصيب فريق أزمة يتكون من 18 شخصا، من الأخصائيين الاجتماعيين والباحثين في مجال الصحة العقلية، وأرسل الفريق على وجه السرعة إلى القرية.
وقد اعترفت وزارة الصحة الكندية، بوجود مشاكل لافتة إلى أن هناك معضلة جدية ومنذ فترة طويلة، ترتبط بالصحة العقلية وتعاطي المخدرات في بعض المجتمعات المحلية.
في عام 2007، أظهرت دراسة نشرتها مؤسسة "شفاء السكان الأصليين"، أن معدل الانتحار بين الشباب من سكان كندا الأصليين (الأمم الأولى، الإسكيمو والملونين) أعلى من 5 إلى6 مرات من المعدل الوطني في كندا.
علاوة على ذلك، تنتشر في قرى الهنود الحمر آفات إدمان الكحول والعنف، وقد وجهت أصابع الاتهام إلى الظروف المعيشية الصعبة للسكان الأصليين، فهم يعيشون في ملاجئ غير صحية تفتقد إلى الماء والكهرباء، وغالبا ما تكون مكتظة تتكدس فيها عائلات من 15 فردا في بيوت صغيرة من بضعة أمتار مربعة.
ترتفع معدلات البطالة في بعض المناطق وقد تصل إلى 80٪، ويزداد الوضع سوءا جراء العزلة الجغرافية لتلك الأقليات والمجتمعات، فأقرب مدينة إلى بلدة "أتاوابيسكات"، على سبيل المثال، تبعد 500 كيلومترا.
لكن آلاما كثيرة تراكمت فوق صدمات تاريخية، ذلك أن الأجيال الأولى للهنود في كندا تعرضت للإقامة الإجبارية في المدارس وفق برامج حكومية استمرت إلى غاية 1990.
وكانت تلك البرامج تهدف باعتراف الحكومة، إلى "تنصير" و"استيعاب" أطفال الهنود الحمر، وقد اعترفت في ديسمبر الماضي، لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية، أن تلك الممارسات كانت بمثابة "إبادة ثقافية" للسكان الأصليين.
لكن ليست هذه المرة الأولى التي يطلق الهنود الحمر نذاءات استغاثة، بشأن ظروف المعيشة البائسة لنحو 1.4 مليون هندي في أمريكا الشمالية، من الإسكيمو والملونين الذين يمثلون 4% من سكان كندا.
ففي أكتوبر 2011، أطلقت زعيمة بلدة "أتاوابيسكات" صرخة استغاثة، وبعدها بعام واحد، نصبت خيمتها بين أكوام الثلوج في جزيرة فيكتوريا، قبالة البرلمان الكندي في أوتاوا ودخلت في إضراب عن الطعام لم يحقق نتائجه المرجوة.
لكن يبدو أن بؤس الهنود الحمر في كندا آيل إلى الزوال، مع مجيء حكومة جستن ترودو التي تعتزم ضخ 8.4 مليار دولار على مدى خمس سنوات، لتحسين البنية التحتية والإسكان والتعليم. ففي تغريدة أطلقها بتاريخ 10 أبريل/نيسان الجاري، كتب رئيس الوزراء الكندي الشاب، أن تلك الأحداث أدمت قلبه وتعهد بتحسين الظروف المعيشية لجميع الشعوب الأصلية.
aXA6IDMuMTM5LjIzNS4xNzcg جزيرة ام اند امز