اكتشاف حجر أثري يرجح عودته لأقدم حضارات إيطاليا
وقد يقدم الحجر منظورًا جديدًا؛ لأنه عثر عليه في مزار ديني وليس في أحد مواقع الدفن التي ساعدت العلماء على فهم نمط الحياة في تلك الحضارة.
أثار نقش نادر على حجر اكتشف قرب مدينة فلورنسا الإيطالية، اهتمام علماء الآثار الذين يقولون إنه قد يساعد في الكشف عن أسرار الحضارة الإتروسكانية، أولى الحضارات التي سكنت إيطاليا وأكثرها غموضًا.
وازدهر الإتروسكانيون في وسط إيطاليا قبل 2500 عام، لكن حضارتهم ولغتهم اندمجت في الإمبراطورية الرومانية. وتركوا وراءهم مقابر مهيبة وأواني مصنوعة من الفخار وتماثيل، لكنهم لم يخلفوا أية وثائق تذكر، الأمر الذي لا يوفر أدلة كثيرة على أسلوب معيشتهم اليومية.
وكان أبناء هذه الحضارة يكتبون عادة نصوصًا طويلة على الكتان أو الشمع الذي يتلف بسرعة، لكن علماء الآثار الذين كانوا ينقبون في منطقة وادي موجيلو شعروا بالسعادة عندما عثروا على حجر وزنه 200 كيلو جرام يحمل نقشًا من مئة حرف في معبد مدفون.
وتم تنظيف الحجر بعد الكثير من الجهد، ورغم أنه لم يجر فك طلاسم النقش رسميًا بعد، فإن الخبراء بدءوا يفهمون دلالته الكاملة.
وقال جريجوري واردن، وهو أستاذ في الآثار كان فريقه ينقب المنطقة لمدة عشرين عامًا قبل الاكتشاف: "إنه حلم أي خبير في الحضارة الإتروسكانية أن يكتشف شيئًا مثل هذا"، وأضاف "يبدو أنه نص مقدس قد يكشف لنا أجزاء من معتقدات الإتروسكانيين".
وقد يقدم الحجر منظورًا جديدًا لأنه عثر عليه في مزار ديني وليس في أحد مواقع الدفن التي ساعدت العلماء على فهم نمط الحياة في تلك الحضارة.
يذكر أن الحضارة الإتروسكانية هي الاسم الحديث لحضارة عاشت في إيطاليا القديمة في منطقة توسكانا الحالية تقريبًا وأطلق عليهم الرومان القدماء اسم "إتروسكي" أو "توسكي". اسمهم الروماني هو أصل تسمية توسكانا (معقلهم) وإتروريا (كامل منطقتهم). سماهم الإغريق تيرينيوي والتي اشتقت اللاتينية منها اسم "ماري تيرينوم" "البحر التيراني". استخدم الأتروسكان تسمية راسينا والتي أدغمت لتصبح راسنا.
لم يترك الأتروسكيون كتابات تاريخية أو أدبية "باستثناء النقوش البسيطة القليلة العدد التي عرّفت العالم على كتابتهم وعددًا من مفردات لغتهم. أما معتقداتهم فتدل عليها فنونهم في النحت والنقش، وكان منهم الفنان فولكا Vulca المعروف لدى الرومان. ومن الكائنات المركّبة الغريبة التي يبدو أنها كانت مقدّسة عندهم الكيميرا وهو حيوان خيالي له رأس أسد وجذع تيس وذيل أفعى، كما كان للذئب مكانة مقدسة أيضًا في معتقداتهم، وهو ما يشي بأسطورة رومولس مؤسس روما الذي أرضعته ذئبة، كما كانوا يقدسون البرق وغيره من الظواهر الطبيعية، ويمارسون التنبؤ بالتحديق في أحشاء الذبائح القربانية وقراءتها، ويتفق الباحثون أنهم عرفوا وقدسوا الثالثوث جوبيار وجونو ومنيرفا، الذي يبدو أنه كان ذا أصل أتروسكي.
ومن الثابت أن أسطورة تأسيس روما وطقوسها (أي خط المدينة الذي يرسمه محراث برونزي يجره ثور وبقرة) إنما تعود إلى الأتروسكان، ومن المرجح أن أتروسكانيين هم من قام بأداء هذه الطقوس، وتذهب بعض القراءات إلى أن أول حكام روما كان ملكًا أتروسكانيًا، قبل أن تستقل وتبدأ مسارها الخاص المنفصل، وهو المعروف في الدراسات التاريخية بالكلمة اللاتينية Fatum. وقد يكون آخر الملوك الأتروسكان قد أزيح في نهاية القرن السادس ق.م. وبعبارة أخرى فإن التاريخ المعطى لتأسيس روما (أي 750 ق.م) ليس في الحقيقة سوى تاريخ انتهاء سيطرة الأتروسكان على المدينة التي نشأت على أيديهم، وبداية سيطرة الرومان".