المنطقة الآمنة، أو منطقة الحظر الجوي، هي مساحة جغرافية تُمنع فيها الأعمال العسكرية، وتُفرض عليها حماية دولية تقي المواطنين
المنطقة الآمنة، أو منطقة الحظر الجوي، هي مساحة جغرافية تُمنع فيها الأعمال العسكرية، وتُفرض عليها حماية دولية تقي المواطنين من الاضطهاد الذي يتعرضون له على أيدي قوات حكومية، أو من قبل ميليشيات مُسلحة غير مُنظمة. ويمكن أن تُنشأ هذه المنطقة من خلال حظر جوي، يكون بمثابة العقوبة على الدولة المعنية؛ كما حصل مع ليبيا بين عام 1992 وعام 2003، حيث فرض مجلس الأمن حظراً جوياً عليها بموجب القرار رقم748 تاريخ 31-3-1992، عقاباً على اتهامها بتفجير الطائرة المدنية الأمريكية فوق لوكربي.
ولحماية المدنيين العراقيين، فرض مجلس الأمن حظراً جوياً على مناطق في جنوب العراق، وعلى منطقة كردستان العراقية في الشمال، لحماية المدنيين من أي اعتداء تقوم به القوات الحكومية. حصل ذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 688 تاريخ 5-4-1991، واستمر إلى عام 2003، تاريخ غزو القوات الأمريكية وحلفائها للعراق.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مدينة هانوفر الألمانية في 24 إبريل/نيسان 2016 لفت إلى أنه لا يؤيد إقامة منطقة حظر جوي آمنة في سوريا، لأن المهمة صعبة ومُكلِفة، وتتطلب إرسال جنود وطائرات. أما المستشارة الألمانية، فلم تشأ الاختلاف مع «صديقها» الأمريكي - كما قالت - ولكنها دعت الأطراف المُشاركين في حوار جنيف إلى الاتفاق على تسمية منطقة في سوريا يشعُر فيها المواطنون بأمان، من دون أن يكونوا عرضةً للقصف أو التنكيل. وطاولة الحوار في جنيف تضمّ مندوبين عن النظام وممثلين عن المُعارضة السورية (من دون «داعش» والنصرة) وبرعاية الأمم المتحدة ومتابعة أمريكية وروسية وأوروبية.
هروب المدنيين من مناطق عديدة من سوريا بدأ يُقلِق أوروبا برُمتها، نظراً لكثافة النزوح غير الشرعي إلى دول القارة. كما أن الدول المجاورة لسوريا تعاني مُشكلات كبيرة جراء أعداد النازحين إليها، لاسيما لبنان، حيث انعكاسات النزوح السوري يمكن أن يُهدد الاستقرار اللبناني برُمته. و تقارير المُختصين في وكالات الأمم المُتحدة، تقدر عدد الهاربين من القتال في سوريا بأكثر من سبعة ملايين مواطن سوري، يضاف إليهم عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في المُخيمات الفلسطينية في سوريا بعد نكبة 1948، ومنذ عدوان العام 1967.
وتبعات النزوح السوري الكثيف إلى الخارج، يتفرع عنه جملة من التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، ويُسهم هذا النزوح في تعميم الإرهاب «الداعشي»، وفي نشر الأفكار الهدامة المُتفلِّتة من القيود الأخلاقية والدينية والتي تشوِّه صورة التسامُح الإسلامي.
أوروبا تخاف من تفاقم النزوح، لأن أعداداً كبيرة من هؤلاء يقصدون أوروبا من مناطق أخرى من العالم - غير سوريا - طلباً للعيش والعمل والاستقرار. والأوروبيون - خصوصاً الألمان - كانوا من المؤيدين لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، تسمح بعودة بعض النازحين إليها، وبذلك يمكن التخفيف من الآثار الخطرة لاستمرار تدفق هؤلاء إلى أوروبا، أو إلى الدول المُجاورة، ويمكن من خلال «المنطقة الآمنة» إحكام الضوابط الأمنية على بعض الذين يستغلون مشكلات النازحين الإنسانية للقيام بأعمال إرهابية شنيعة.
تساؤلات عديدة يثيرها الموقف الأمريكي المعارض لإقامة منطقة آمنة للمدنيين في سوريا. وهذه التساؤلات تخفي شكوكاً واضحة حول الدور الأمريكي غير المساعد في حلّ الأزمة، كما يمكن الولوج من هذا الموقف الأمريكي اللامبالي إلى تحليلات، قد تصِل إلى حد اتهام الإدارة الأمريكية بالمساعدة في إطالة الأزمة السورية، كونها تُشغل أطراف المنطقة برمتهم، وتستنزِف القدرات العسكرية والبشرية والاقتصادية التي قد تُستخدم - يوماً ما - في مواجهة العدوان «الإسرائيلي». والأزمة السورية، قد تؤسس لمشروع الشرذمة والتفتيت للمنطقة العربية، والتي تعمل له «إسرائيل» منذ أمد بعيد.
وتصِل حدود التشكيك بالموقف الأمريكي - الذي لا يُساعد في الحد من الوضع المُتردي للمدنيين - إلى اتهام الإدارة الأمريكية بالمُساهمة في إبقاء مشكلة النازحين، سيفاً مسلطاً على الأوروبيين، حتى ولو كان هؤلاء حلفاء لواشنطن. ولا يخفي الرئيس أوباما تنسيقه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو قال في المؤتمر الصحفي مع ميركل إنه «اتصل للتو مع نظيره الروسي وتباحثا في تداعيات الأزمة السورية».
إن حجة أوباما في أن فرض «المنطقة الآمنة» مكلف، فهي غير واقعية. لأن الذي كان قادراً على فرض حظر في العراق، يستطيع تحمُّل أعباء فرض منطقة آمنة في سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة