زراعة الأعضاء في مصر "حائرة" بين الدين والطب
تجدد الجدل حول نقل الأعضاء في مصر بين علماء الدين الذين يرفضونه في أغلب الأحوال والأطباء الذين يعتبرونه أملا
منذ إعلان وزارة الصحة والسكان المصرية مؤخرا عن منح 11 ألف موافقة على زرع الأعضاء ما بين زراعة كلى وكبد والجدل، تجدد بين الأطباء وعلماء الدين هو هذه الخطوة رغم صدور فتوى واضحة تجيز التبرع بالأعضاء من حي أو ميت.
وانقسمت المواقف تجاه هذا العمل بين مؤيد يرى فيه خيرًا لكل مريض ومحاولة للقضاء على تجارة الأعضاء في مصر والتي شهدت رواجًا في الفترة الأخيرة، ومعارض يرى ضرورة الحفاظ على حرمة جسد الميت.
كانت بداية الجدل بتصريح الدكتور صابر غنيم رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر بوزارة الصحة والسكان، الذي أعلن منح الوزارة 11 ألف موافقة على زرع الأعضاء ما بين زراعة كلى وكبد منذ صدور القانون عام 2010 وحتى الآن.
واعتبر رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر بوزارة الصحة والسكان أن قانون زراعة الأعضاء قضى تماما على تجارة زراعة الأعضاء .
وأوضح غنيم في تصريحات لـ"العين"، أن الفترة المقبلة ستشهد تقدما كبيرا فى ملف زراعة الأعضاء للقضاء على تجارة الأعضاء البشرية التي انتشرت موخرًا في مصر بعد الإعلان عن ضبط عدة شبكات لتجارة الأعضاء البشرية.
وأكد غنيم، أن وزير الصحة والسكان الدكتور أحمد عماد الدين يولي أهمية خاصة لقانون زراعة الأعضاء البشرية وضبط طرق التبرع بالأعضاء، وكذلك المستشفيات المرخص لها بإجراء عمليات لزراعة الأعضاء وخاصة الكلي والكبد على مستوى الجمهورية.
محمد هلال، أمين عام لجنة زراعة الأعضاء بوزارة الصحة، أعلن منح الوزارة التراخيص لـ42 مستشفى، لزراعة الكلى والكبد على مستوى الجمهورية وذلك للقضاء على تجارة الأعضاء بشكل كامل.
وأرجع أمين عام لجنة زراعة الأعضاء في وزارة الصحة في تصريحات لـ"العين"، إصدار قانون زراعة الأعضاء في عام 2010 لمواجهة عملية التجارة في الأعضاء، عندما شكلت وزارة الصحة في ذلك الوقت لجنة عليا للعمل على منح تراخيص عمليات الزراعة للمستشفيات وفقًا للقانون.
وعن مراجعة عمليات زراعة الأعضاء قبل إجرائها، قال هلال إن اللجنة العليا تؤدي دورًا مهمًا من خلال مراجعات عمليات زراعة الأعضاء، وفحصها جيدًا قبل إعطاء الموافقة على إجرائها، موضحًا أن اللجنة وافقت على 11 ألف حالة لإجراء هذه العملية حتى الآن.
وكشف عن إجراء 3 آلاف عملية لزراعة الكبد، بالإضافة إلى 14 عملية لزراعة الكلى بمستشفيات القطاعين العام والخاص والقوات المسلحة، بالإضافة إلى السعي توفير تمويل لإجراء تلك العمليات للمرضى غير القادرين.
على جانب آخر أشارت دراسة بجامعة الإسكندرية لعام 2013، إلى أن مصر أصبحت تحتل المركز الثالث عالميًا في تجارة وزراعة الأعضاء البشرية غير المشروعة، وأنها تحولت لتصبح المركز الرئيسي في المنطقة لتجارة الأعضاء البشرية، التي أصبحت أكثر ربحا وأمنا من تجارة المخدرات.
وبحسب الدراسة التي أطلقت على مصر لقب (برازيل الشرق الأوسط)، نظرا لأن البرازيل تحتل المركز الأول في دول أمريكا اللاتينية في تجارة الأعضاء البشرية.
وأشارت دراسة إلى أن ظهور مافيا الإتجار في الأعضاء البشرية في مصر، يرجع إلى حالة الفقر الشديدة التي يعاني منها الشعب المصري، ونقص التشريعات التي تجرم هذه التجارة المحرمة، موضحة أن بعض الأطباء وجدوا في تجارة الأعضاء البشرية فرصة لتحقيق مكاسب مالية سهلة.
كما أكدت الدراسة أن 78% من المانحين المصريين يعانون من تدهور في حالتهم الصحية بعد العملية الجراحية، في حين أن 73% يعانون من ضعف قدراتهم على أداء الوظائف والمهام الصعبة التي تقتضي جهدًا شاقًا.
وأعتبر نشطاء مصريين في مجال الصحة، أن عدم وضع ضوابط لزارعة الأعضاء في مصر قد يؤدى إلى انتشار التجارة بالأعضاء.
وقالت الدكتورة كريمة الحفناوي عضو لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، إن بعض الجهات تستغل حاجة الفقراء من المصريين لإقناعهم ببيع بعض أعضاء.. على أن يبدو الأمر وكأنه تبرع بتلك الأعضاء، موضحة أن تجارة الأعضاء ضد حقوق الإنسان، وخاصة استغلال أطفال الشوارع وقتلهم وسرقة أعضائهم لبيعها للأثرياء والمحتاجين مقابل أمر مادي.
وأوضحت الحفناوي، في تصريحات لـ"العين"، أن بعض الدراسات قد بينت أن سعر بيع الكلية لا يقل عن 3000 دولار، هو ما يتحدد حسب كفاءتها ومهارة البائع وكذلك الزبون في الفصال، أما عن نوعية البائعين فهم من الفقراء.
من جانبه اعتبر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن زراعة الأعضاء تحولت إلى تجارة بالأعضاء كأنها قطع غيار للسيارات، وذلك فهو محرم شرعا ولا يجوز التبرع حتى وإن كان المتوفى أوصى بذلك.
وقال كريمة في تصريحات لـ"العين"، إن التبرع بالأعضاء حرام شرعًا لأن الإنسان لا يملك من نفسه شيئا، وليس يملك أن يهدي عضوا من أعضائه فهو ملك لله عز وجل.
مجلس النواب كان له رأي في ذلك الجدل، وقالت الدكتورة إيناس عبد الحليم وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن قانون زراعة الأعضاء قد صدر في مارس من عام 2010م وذلك بزراعة الأعضاء سواء من الأحياء أو حديثي الوفاة، وتم تشكيل لجنة من وزارة الصحة برئاسة الوزير، وانبثقت منها عدة لجان فرعية قامت ولمدة عامين بدراسة الموضوع من كافة الجوانب.
وطالبت وكيل لجنة الصحة وزارة الصحة في تصريحات لـ"العين"، التسويق لقانون زارعة الأعضاء إعلامياً وإجراء حوار مجتمعي يستهدف لترويج ثقافة النقل من الموتى، وكذلك للوصول إلى صياغة ضوابط صارمة تحكم هذا النشاط للتصدي للأنشطة غير المشروعة في تجارة الأعضاء وصولًا إلى بناء قاعدة بيانات موحدة لدى هذه الجهات، وقانون يقضي بشطب الطبيب الذي يجري جراحة سرقة أعضاء من أطفال دون الشكل الرسمي، وألا يقوم أي طبيب بممارسة عمليات نقل وزراعة الأعضاء إلا بعد الحصول على دورة خاصة بأخلاقيات وضوابط عمليات نقل وزراعة الأعضاء أسوة بما يجرى في كليات الطب في دول كثيرة في العالم.
وأشارت عبد الحليم، إلى أنه تم الموافقة على إنشاء معهد متخصص لزراعة الأعضاء بجامعة المنصورة وهو معهد متخصص في زراعة كل الأعضاء، ويكون البداية بزراعة الكلي والكبد ثم يشمل المعهد زارعة القلب والرئة والبنكرياس في إطار ضوابط حول التبرع بالأعضاء، والالتزام بما جاء في إعلان إسطنبول حول محاربة تجارة الأعضاء.
وأوضحت عبد الحليم، أن لجنة الصحة ستعمل على وضع تشريعات وضوابط لقانون زراعة الاعضاء في وتقنين نقل الأعضاء والتبرع بها إطار مكافحة تجارة الأعضاء البشرية.
وفي النهاية فإن هناك حيلا متعددة تستخدم لسرقة الأعضاء والإتجار بها.. فهل تستطيع قوانين وزارة الصحة بالتعاون مع مجلس النواب القضاء على مافيا تجارة الأعضاء في مصر ووضع ضوابط للتبرع بالأعضاء؟.. هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.