أزمة الدولار: هل تستطيع مصر مواجهة كتائب "من الباب إلى الباب"؟
مع تصاعد أزمة الدولار في مصر خبراء يتحدثون لـ"العين" عن ظاهرة "كتائب" تجار العملة بين المغتربين
تتسع يوما بعد يوم ظاهرة "كتائب" تجار العملة بين المغتربين المصريين خارج مصر، وتحديدا في دول الخليج، وتحولت هذه التجارة من مجرد حالات فردية إلى ما يشبه التجارة الرسمية، عبر شبكة يتوزع أفرادها في الدول التي يتركز فيها العاملون المصريون في الخارج، وداخل المدن المصرية، مهمتهم نقل الأموال إلى ذوي العاملين، إما نقدا أو عبر إيداعات في البنوك.
وتكتمل الدائرة بتحويل هذه الأموال إما رسميا من البلدان في الخارج إلى دولة ثالثة، في الغالب لا تكون مصر، أو إلى مصر نفسها، عن طريق شركات تعمل في بلدان تركز العمالة المصرية، إلى حساباتهم في البنوك المصرية، أو عن طريق أفراد يحملون الأموال بالدولار أو اليورو عند سفرهم إلى المطارات المصرية.
القضية في وصف الخبراء هي شبكة منظمة، واتسع نطاق عملها ونشاطها، بعدما ألغى البنك المركزي المصري سقف السحب اليومي للأفراد والشركات من البنوك، كما تحولت شركات صرافة تم إغلاقها من السلطات المختصة لمخالفتها تعليمات السلطات النقدية، إلى منافذ لتجارة العملة من المنبع من خلال وسطاء بعمولات.
ومن حلقات هذه التجارة وجود "كتائب" إلكترونية على شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي، مهتمها بث الشائعات بغض النظر عن دقتها، حول ارتفاع أسعار الدولار واليورو، وانهيار سعر الجنيه، بخلاف بث شائعات حول القيود على صرف العملات الأجنبية من البنوك، وآخرها صرف قيم التحويلات بالجنيه المصري، وبالسعر الرسمي لعملة التحويل، ونفس الشيء لمن يريد أن يسحب أموالا من حسابات بالنقد الأجنبي، في شكل من أشكال الترويج لهذه التجارة غير الشرعية.
الدكتور جودة عبد الخالق وزير التموين الأسبق، بيّن في ندوة له، أن الظاهرة بدأت من نهاية العام الماضي، وأخذت في الاتساع في الفترة الأخيرة، ويقودها مجموعة من تجار العملة، وكتائب، أغلبهم من جماعات الإخوان، الذين يسيطرون على شركات الصرافة وتجارة العملة، وبهدف حرمان الاقتصاد الوطني من أحد مصادر النقد الأجنبي.
ومن الملاحظ أن حجم التحويلات من المصريين في الخارج في تراجع مستمر، ومن الوارد أن تتأثر بشكل أكبر في الشهور المقبلة، إذا ما أخذت ظاهرة السيطرة على التحويلات في دول المنبع في التوسع، دون معالجة قانونية، مع سلطات هذه الدول التي يتركز فيها العاملون المصريون بالخارج، بحسب مخاوف المختصين.
وتراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وفقا لبيانات البنك المركزي، خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر من السنة المالية الجارية 2015 - 2016 لتصل إلى نحو 8.3 مليار دولار، مقارنة بـ9.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة المالية السابقة، بتراجع بنحو مليار دولار، فيما توقعت وزيرة الهجرة بأن يصل إجمالي التحويلات خلال العام المالي الذي ينتهي في 30 يونيو المقبل إلى 19 مليار دولار.
ووصف د. جودة عبد الخالق مثل هذه المعاملات بـ"المشبوهة" والتي تستهدف الاقتصاد الوطني منذ شهور، ما أدى لانخفاض الاحتياطي النقدي في البنك المركزي المصري، بهدف تعطيش السوق المصرفي.
تجارة العملة الجديدة، وكتائب السيطرة على تحويلات المصرين بالخارج، تتم عبر حملات منظمة، وفقا لتحذيرات أطلقها المنسق العام لاتحاد المصريين في الخارج، صلاح يوسف، والمقيم في مدينة جدة السعودية، والذي يؤكد أنها تستهدف منع وصول تحويلات المصريين في الخارج إلى داخل البلاد.
وهناك أشخاص من أعضاء تنظيم الإخوان والذين يملكون شركات للسياحة وللصرافة في مصر، لهم مندوبون في دول أخرى، يقومون بجمع مدخرات المصريين، بسعر مغرٍ، يفوق السعر الرسمي، وربما يفوق أيضا السعر الموزاي في السوق المحلية المصرية، أو حساب المبلغ بما يوزايه بالدولار، وتسليم قيمة التحويل بسعر السوق السوداء بما يعادله بالجنيه المصري، في نفس اليوم، أو إيداعه في حساب مصرفي.
صلاح يوسف، الذي التقى مسؤولين مصريين مطلع شهر أبريل، أفاد أن لديه معلومات دقيقة، عن أفراد متواجدين في الخارج، مهمتهم جمع الأموال من المصريين العاملين في هذه الدول، وبدأوا يستقطبون مندوبين لهم في أوساط تجمعات الجاليات المصرية، للتعاون معهم مقابل عمولة.
الجهات المصرية من جانبها أثارت هذه المشكلة، وقدمت ما لديها من معلومات لجهات مختصة في الدول التي تتركز فيها العمالة المصرية، والتي بدأت بعضها في اتخاذ الإجراءات القانونية، لمن يتم ضبطه، ويثبت عليه تهمة الإتجار في العملة دون ترخيص، ويتعامل في هذا السوق باسعار تجاوز السعر الرسمي في بنوكها وشركات الصرافة.
القضية تتخذ أشكالا مختلفة، فوفقا لما رصدته أجهزة سيادية، فبدلا من تحويل أموال، يقوم التجار والسماسرة بإرسال ما يوازيها إلى مصر فى صورة بضائع، أو بتحويل الأموال إلى شركات تحويل الأموال ومكاتب الصرافة التى لا تقوم بتوريد هذه المبالغ إلى الاحتياطي النقدي للدولة والتصرف فيها عبر السوق السوداء بأسعار عالية وبطرق ملتوية، وتتركز هذه العملية في دول أوروبية، وبين المصريين العاملين في هذه الدول، وباللجوء لشراء السلع عبر الإنترنت أو تهريب المبالغ بالدولار واليورو.
"من الباب إلى الباب" هي ملخص تلك العملية الجديدة في تجارة العملة، لاستنزاف تحويلات المصريين في الخارج، حتى لا تصل إلى الدولة المصرية، وخزينتها، فعلى غرار خدمات الشحن من "الباب إلى الباب"، تتسع ظاهرة "سلم أموالك بعملة البلد التي تقيم فيها، واستلم في مصر بالجنيه المصري لأعلى سعر للدولار في السوق السودء"، هذه هي العبارة السائدة الآن في تجارة العملات لمنع وصول تحويلات العاملين من المنبع إلى البلاد.
هكذا ما خلصه مصطفى دياب أحد مساعدي المنسق العام لتحاد المصريين بالخارج، في مذكرة قدمها إلى وزارة الخارجية، ووصلت نسخة منها إلى وزارة الهجرة، مطالبا الدولة بالتدخل الحاسم لمحاربة الظاهرة، بالطرق الدبلوماسية، والقانونية مع حكومات الدول التي يرتكب فيها هؤلاء التجار جرائمهم.
وأثيرت اتهامات بشأن تحويل مبالغ من تجار وسماسرة العملة والتي تمثل حصيلة شراء مدخرات مصريين في الخارج، إلى دولتين في المنطقة، مازالتا على خلاف سياسي مع الحكومة المصرية، ويقيم فيها عدد من رموز وقيادات جماعة الإخوان، وهي المتهم الرئيسي بادارة هذه التجارة المشبوهة، عبر مكاتب صرافة عليها علامات استفهام.
التجارة المشبوهة تزداد في الأسبوع الأخير من كل شهر، وعند صرف رواتب العاملين في الخارج، وتوقيتات تحويل أموال لذويهم في مدن وقرى مصر، وذلك وفق الرصد الذي أعدته بعض السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، كما رصدت تجارا ومستوردين ومستثمرين دخلو على الخط، للمنافسة في الحصول على جزء من كعكة التحويلات، والتي تضر بالأساس باقتصاد الدولة.
المعلومات تشير إلى تحركات من جانب الحكومة المصرية لمكافحة هذه التجارة، وجرى حوار مع سلطات عديدة في بعض الدول، إلا أن الحرب مستمرة، وفقا لوصف الخبراء، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تحركات أوسع وإجراءات، ولكن إلى ماذا ستسفر النتائج، الإجابة صعبة جدا.
aXA6IDE4LjExNy4xMDUuMjMwIA== جزيرة ام اند امز