تفاقم أزمة الدولار يهدد صناعة الدواء في مصر
مستوردو الأدوية في مصر يقولون إن أصنافًا دوائية هامة اختفت من السوق لعدم توافر الدولار لاستيرادها
قرار من وزارة الصحة المصرية بزيادة أسعار 54 صنفًا دوائيًّا أغلبها من مستحضرات التجميل وألبان الأطفال، قابله مطالب أخرى من صُناع الأدوية ومستورديها بزيادة مماثلة لأسعار أصناف أخرى، بدعوى ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى زيادة سعر صرف الدولار مقارنة بالجنيه المصري، والذي يعاني تراجعًا ملحوظًا في الأونة الأخيرة.
مستوردو الأدوية يقولون، إن أصنافًا دوائية هامة اختفت من السوق لعدم توافر الدولار لاستيرادها، أو لتخلي المُصنعين عن تصنيعها لكلفتها الزائدة عن أسعار بيعها؛ إذ لا يزال الدواء المصري خاضعًا لتسعيرة جبرية وضعتها الحكومة المصرية، ويقول المستوردون، إن التسعيرة لم تتحرك منذ ما يقرب من 20 عامًا.
وفق إحصائيات غرفة صناعة الدواء ووزارة الصحة المصرية، فإن عدد الأدوية المُسجلة يبلغ 12 ألف 326 دواءً من بينها 2170 دواءً أسعارها أقل من 5 جنيهات (0.75 دولار) بنسبة تصل إلى 18% من عدد الأصناف، بالإضافة إلى 4736 دواء أسعارها أقل من عشرة جنيهات (1.2 دولار) تمثل 38% من عدد الأصناف، و7 آلاف 514 دواء يبلغ سعرها أقل من عشرين جنيهًا بنسبة تصل إلى 61% من إجمالي الأدوية المتداوية.
البنك المركزي قال، إنه وضع سياسات للحفاظ على ما تبقى من احتياطي نقدي أجنبي، والذي تقلص من 36 مليار دولار قبل 25 يناير 2011 إلى ما يقرب من 16 مليار دولار في الوقت الراهن.
وحدد البنك ما أسماه "أولويات الحصول على الدولار" لأغراض الاستيراد، وعلى رأسها السلع الغذائية والدواء، إلا أن المستوردين يقولون إنهم يحصلون على الدولار من السوق السوداء بأسعار مرتفعة عن سعر الصرف الرسمي، لعدم تمكنهم من الحصول عليه بشكل رسمي من البنوك المحلية.
ويبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار 7.83 قرشًا، بينما يصل في السوق الموازية إلى 9.50 قرشًا.
الدكتور عادل عبدالمقصود، رئيس شعبة الصيادلة في الغرفة التجارية المصرية، قال لبوابة "العين" الإخبارية أن الحكومة لا تنظر إلى صناعة الأدوية على أنها استثمار تجاري، وتُلزم المُصنعين والمستوردين بتسعيرة جبرية لم تغيرها منذ سنوات، و"يحتاج تغير سعر الدواء إلى قرار سيادي"، وفق قوله.
ويقول، إن الدواء يشكل 36% من المنظومة الصحية في البلاد، وأن عدم زيادة أسعاره أدى إلى خلق ما أسماه "سوق سوداء للأدوية الناقصة"، إذ يرى أن بعض الأصناف يحتكرها بعض التجار، وأصحاب سلاسل الصيدليات، ويقومون ببيعها بأسعار تفوق سعرها الرسمي.
يضيف: "أرسلنا تقارير عديدة لوزارة الصحة والنيابة بشأن أشخاص وتجار يقومون بتهريب أدوية من دول عربية وأوروبية لبيعها في السوق السوداء، خاصة الأدوية غير المتوفرة في السوق".
يُعدد "عبدالمقصود" عدد من الأصناف الناقصة وعلى رأسها "حقن الأنتي أر أتش" والتي يقول إن السيدات الحوامل يحصلن عليها قبل الولادة حتى لا يموت الجنين، ويؤكد أن تلك الحقنة مختفية من السوق المصرية، وأن غيابها تسبب في وفاة ما يزيد عن 4 آلاف جنين خلال العام الماضي.
لكن الدكتور طارق سلمان، مساعد وزير الصحة لشؤون الصيادلة، شكك في تلك الأرقام، إلا أنه اعترف بأن هناك نقصًا في عقار "الأنتي أر أتش" وعدد من العقاقير الطبية الأخرى، والتي تصدر بهم وزارة الصحة نشرة دورية شهرية توزع على الصيدليات.
"سلمان" قال لبوابة "العين" الإخبارية، إن الوزارة تتعاون مع البنك المركزي لتوفير العقاقير الحيوية لاستيرادها من الخارج خاصة "حقن الحوامل"، مؤكدًا أن سياسة الوزارة في رفع أسعار الأدوية تتم بناءً على دراسة السوق.
وأصدر البنك المركزي قرارًا في 26 يناير الماضي برفع الحد الأقصى للإيداع النقدي بالعملات الأجنبية إلى 250 ألف دولار شهريًّا بدلًا من 50 ألفًا حددها سابقًا، وذلك لتغطية واردات بعض السلع والمنتجات الأساسية.
ويقول: "نقوم برفع أسعار بعض الأدوية على فترات، خاصة الأدوية التي تسبب صناعتها أو استيرادها في خسائر للمستورد، ولا تُغطي تكلفة انتاجها"، ويشير إلى أن الوزارة تلقت طلبات عديدة من تجار الأدوية ومستورديها برفع أسعار عقاقير طبية "إلا أنها لاتزال قيد الدراسة"، وفق قوله.
يرفض "عبدالمقصود" ما أعلنه مساعد الوزير، ويؤكد أن العقاقير المختفية من السوق المصرية والتي لا بديل لها تقترب من 100 صنف.
ويقترح أن يتم رفع سعر الدواء منخفض التكاليف والذي توقفت الشركات عن انتاجه لصالح أدوية أغلى سعرًا، مقابل بيع الدواء على بطاقات تشبه بطاقة التموين.
ويقول: "نحن دولة فقيرة ولابد أن يكون هناك تكافل اجتماعي، عن طريق بيع الدواء بسعر مدعم للفئات الفقيرة، مقابل رفع سعره على الطبقات القادرة".
بهيجة حسن، مواطنة مصرية، 56 عامًا، قالت: "ابن شقيقتي على وشك إجراء عملية قلب مفتوح، وحاولنا الحصول على عقار (ستربتوكاينيز) المخصص لمنع توقف عضلة القلب، وفشلت المحاولات، ما اضطرنا في النهاية لاستيراده من دبي بما يفوق 400 دولار للعبوة الواحدة.
تقول: "لا نعرف سعر العبوة الحقيقي لأنه غير متوفر في السوق، والطبيب المُعالج هو من استوردها من الإمارات بمعرفة أصدقاء له، وحاولنا الحصول عليها من مصر دون جدوى".
تُبدي "بهيجة" تخوفًا من زيادة أسعار الأدوية وتقول، إن موقف وزارة الصحة المصرية "إلى الأن" لا يزال صحيحًا برفض طلب المستوردين والصُناع بزيادة أسعار الدواء "لأننا في دولة فقيرة"، وفق قولها.
لكن الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء المصرية، قال لـ"العين"، إن أسعار الأدوية الحالية "متدني للغاية" وأن بعض الأصناف الحيوية لا تزال تباع بأقل من جنيه مصري (ما يوازي 10 سنتات أمريكية).
ويقول إن قطاعًا كبيرًا من المصريين يعتقد أن الدواء الرخيص قليل الفاعلية، وأن سعر الدواء مرتبط بفاعليته تجاه المرض، مطالبًا بإعادة النظر في تسعيرة الدواء، والتي قال، إنها لم تتغير منذ الثمانينيات.
ويضيف: "بعد ارتفاع سعر الدولار، وزيادة تكاليف التعبئة والانتاج بات من الضروري إعادة النظر في منظومة التسعير؛ لأن المتضرر في النهاية هو المريض، خاصة أن المتسوردين والمنتجين حين يجدوا أن تكلفة الدواء زادت عن سعر بيعه يتوقفون عن تصنيعة أو استيراده، ما يضطر المريض في النهاية للحصول على الدواء البديل مرتفع التكاليف".
ووفقًا لنائب رئيس غرفة صناعة الدواء فإن 100 صنف ممن ليس لهم بديل اختفى من السوق المصرية على رأسها أدوية الجلطات والقلب والكبد والسرطان، بالإضافة إلى اختفاء ما يقرب من 1500 إلى 2000 صنف دوائي لها بدائل ولكن بتكلفة مرتفعة.
يأمل صُناع الأدوية حسبما أكد "رستم" أن تصدر وزارة الصحة قرارًا بزيادة سعر الدواء بنسبة تتراوح من 15 إلى 20%، ما يعني أن سعر الدواء البالغ 20 جنيهًا سيصل إلى 24 جنيهًا.
ورغم مطالب المستوردين بزيادة الأسعار إلا أن الدكتور طارق سلمان، مساعد وزير الصحة للشؤون الصيدلية، أكد أن الوزارة لا تزال تدرس الطلبات المقدمة، مؤكدًا أن الوزارة لن تقوم بعمل "زيادة جماعية" للأدوية بشكل يضر المرضى.
الدكتور أحمد فاروق أمين عام نقابة الصيادلة طالب بسرعة إقرار مشروع قانون الهيئة العليا للدواء الذي أعدته النقابة، معتبرًا أن وجود تلك الهيئة بمثابة محاولة لـ"إنقاذ صناعة الدواء" والتي اعتبرها حماية للأمن القومي المصري.
وقال إن الإحصائيات الأخيرة لسوق الدواء المصري تشير إلى ضرورة وجود هيئة مستقلة للأدوية، بعد أن حقق سوق الدواء أرباحًا وصلت إلى 31 مليارًا و705 مليون جنيها عام 2015 مقابل 27 مليارًا و461 مليونًا عام 2014، مؤكدًا أن الزيادة كانت لصالح الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات.
"فاروق" أشار إلى أن حصة الشركات الحكومية تراجعت منذ ستينيات القرن الماضي من 60% إلى 4% فقط في الوقت الحالي، وأن الشركات الأجنبية استحوذت على 56% من سوق صناعة الدواء من حصة الشركات الحكومية.
واعتبر أن النتيجة الحتمية لعدم تحريك التسعيرة الجبرية هي اختفاء مئات الأدوية من الأسواق والتي تتسبب في خسائر لصناعها ما أدى لتوقف خطوط إنتاجها.
وقال إن عقار مثل "الدينترا" ويستخدم لتوسيع الأوعية الدموية، تباع العبوة منه بسعر 2.5 جنيها (تعادل 25 سنتًا أمريكيًّا) في حين أن بديله يصل إلى 100 جنيه (12 دولارًا).
aXA6IDMuMTM5LjgzLjI0OCA= جزيرة ام اند امز