يمتنع المسؤولون الفرنسيون ومعهم عدد من وسائل الإعلام عن استخدام اسم «الدولة الإسلامية» الذي أطلقه التنظيم الإرهابي على نفسه.
يمتنع المسؤولون الفرنسيون ومعهم عدد من وسائل الإعلام عن استخدام اسم «الدولة الإسلامية» الذي أطلقه التنظيم الإرهابي على نفسه، ويفضلون اللجوء إلى الاختصار العربي «داعش»، علَّه يبعد عنهم تهمة ترويج الخوف والعداء للإسلام (الإسلاموفوبيا) اللذين باتا رائجين في أوساط اليساريين والليبراليين الأوروبيين.
يخشى المسؤولون هؤلاء من أن إشارتهم إلى الإسلام -ولو إشارة سريعة- أثناء الحديث عن جرائم التنظيم في باريس وغيرها، قد تصب الماء في طاحونة اليمين المتطرف، من جهة، وتثير حساسيات الطائفة المسلمة الكبيرة، وتوجه اتهامًا ضمنيًّا إليها بالمسؤولية عن هجمات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر من جهة أخرى.
الحل الوسط، كما خرج به العقل السياسي - الإعلامي الفرنسي هو تداول مصطلح يحيل إلى فراغ في المعنى في ذهن المستمع، «داعش»، على نحو مشابه لما يجري في أدبيات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من ترويج لكلمات عربية لا تمس منظومة المفاهيم والمصطلحات الغربية من نوع «النكبة».
يخدم ذلك محاولة لنفي العقلانية عن الفاعل وإدراجه مع فعله في حيز اللامعقول وما هو غير قابل للمقاربة.
تصوّب المقاربة هذه على أهداف عدة في آن واحد. منها حماية «صواب سياسي» يأبى أصحابه التطرق إلى قضايا العنصرية والتمييز وفشل اندماج الطوائف والأعراق التي ينتمي المهاجرون إليها في المجتمعات التي يقيمون فيها، خصوصًا في أوروبا القارية، واعتبار أي تناول لهذه المسائل يمس حقوق المهاجرين، من دون الانتباه إلى أن استراتيجية التخلي عن هؤلاء وتركهم يتدبرون أمورهم بأنفسهم (تخلٍّ مفرط، على ما بيَّن بيار بورديو في كتابه المرجعي «بؤس العالم») بذريعة حماية خصوصياتهم وبيعهم الأوهام التي سرعان ما ينكشف خواؤها، هي استراتيجية تقود إلى توليد بؤر الاغتراب والكراهية بين أبناء الجيل الثاني للمهاجرين.
السير بين صواب سياسي ينطوي ضمنًا على تعالٍ على المهاجرين، وينظر إليهم كقاصرين عن تحقيق مصالحهم بمفردهم، بل عن فهمها وتحديدها، وبين يمين متطرف يرى فيهم علة كل الشرور والمصائب التي تصيب الغرب، ويدعو إلى طردهم، السير هذا أدى بالقوى السياسية الرئيسية في أوروبا إلى القبول الضمني بهجرة الشبان الغاضبين إلى بلاد تشبههم حيث يمكنهم تفريغ شحنات العنف والإحباط بين خرائبها.
ذلك أن أجهزة أمنية تتفرج على سفر آلاف الشباب ذوي الأصول المشتركة إلى تركيا ثم سورية، لا يمكن أن تكون بريئة من التواطؤ مع سياسيين فاشلين وإعلام تافه يسعون إلى التخلص من المشكلة بإلقائها على الآخرين، المبتلين أصلًا بحروبهم الأهلية وثوراتهم الخائبة الأمل.
لقد تخلصت أوروبا من فوبيا (الإسلاموفوبيا) بتوجيه هذه اللعنة إلى ما ظنت أنه مصدرها الأصلي.
إلى المجتمعات التي تحتل فيها سياسات الهوية المرتبة الأولى في وعي مفوّت وخرافي.
بيد أن للعنة هذه وجوهًا عدة. فهي إن كانت تشير إلى شروخ عميقة في المجتمعات العربية والإسلامية وعجزها عن تجاوز مآزقها ككيانات شديدة المحافظة اجتماعيًّا في بيئات اقتصادية شديدة التحرر، وما يسفر عنه ذلك من تفكك الأيديولوجيا المهيمنة (الإسلام السياسي السُّنِّي بكل تلاوينه) وظهور قصورها عن المواءمة بين ضرورات الواقعين (الاجتماعي والاقتصادي) المتناقضة، فإنها في الوقت ذاته تعلن سقوط «التعددية» الثقافية الأوروبية بصيغتها الحالية القائمة على دفع المهاجرين إلى خيار الاندماج ضمن معايير الاستتباع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي أو العزل إلى غيتوات العنف والجريمة والتطرف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة