إن الاختلاف سمة العلم وإن الذين لا يختلفون هم الأميون، ولكن من العيب أن يتحوَّل المسلم إلى سمسار أيديولوجيات باسم الدين؟
"لو كان المسلم يوقن أنه ليس هناك نار ولا عذاب في الآخرة، كم من المسلمين سيقوم بتأدية فريضة الصلاة؟".. سؤال مهم؛ فهل تصلي لأنك تخاف من العذاب؟ أم لأنك تحب الله وهناك شوق للقاء ربك وأنت بين يديه في الصلاة والخلوات الخاصة وأنت تناجيه؟ والمراد إيضاحه هنا هو أن الجنة التي ينتظرها المؤمن ما هي إلا قربه من الله، وأن حقيقة الدين تتجلى في إحياء الروح التي بها حياة كل مدارك الإنسان وتزكية النفس حتى تتخلق بمكارم الأخلاق.
أن تتعثَّر فهذا يعني أنك تسير في الطريق، فلم أسمع بأحد يتعثَّر وهو لا يتحرك، لن تستقيم الحرية إن تجردت هي من المسؤولية.. لا أحد يرفض (التجديد الواعي) وكثيرون يجهلون أنه تعريف "الحداثة"!! - الطائفية أن ترى الحق معك وحدك، وكيف يكون مع الله عندما توزع البندقية أكثر من الخبز في أرض الفتن، وبدلًا من أن يكون الإسلام قائمًا على هدي النبوة ورث تاريخيًّا إسلام الدولة الأموية والعباسية، وهي النسخة التي بين أيدينا الحائرة بين هدي النبوة وسيف الحجاج ولا اختيار في حظائر الأيديولوجيات الشمولية.. أو مع من يدَّعون أنهم الوحيدون الناطقون باسم الله تعالى.
إن الاختلاف سمة العلم وإن الذين لا يختلفون هم الأميون، ولكن من العيب أن يتحول المسلم إلى سمسار أيديولوجيات باسم الدين؟ ومع أنه يعلم أنه ستذوب الوجوه الجميلة في تراب الدنيا وستبقى الأفعال الجميلة ترسم وجهًا أجمل في الجنة، فالإنسان مغرم بتجميل المظهر الخارجي ويصرف على عمليات التجميل المختلفة وكل ما يتعلق بتحسين المظهر المليارات، ولم نسمع عن شخص دفع دولارًا واحدًا لتجميل داخله، مع أن تلك العملية مجانية ولا تحتاج إلا أن يرى الإنسان الكون جميلًا، وبالمقابل سيراه الكون جميلًا، وعلى قدر العقول تكون الآراء، وربما لا تكون كل حياتك جيدة، ولكن لا بد وأن يكون هناك شيء جيد واحد على الأقل في كل يوم؛ فلماذا لا تتفاءل وتنظر إلى الحياة من عدسة خاصة تخرجك من الإطار لتعطي لنفسك فرصة حق الاندهاش من حجم الإبداع الذي بداخلك، مع أن الخبرات والمعارف التي مرت بحياتك ستظل تعيش في وجدانك لا تنفصل عنها، ولا تنفصل عنك، فلا تحاول أن تدفعها بعيدًا دون جدوى فقط خصص لها مكانًا خاصًّا في عقلك وقلبك لا يطغى على المكان الأكبر المهم في وجودك وهو الحب، وأصدقاؤك في هذه الحياة يحددون شخصيتك، واختياراتك كل يوم تحدد مستقبل شخصيتك.
لماذا تاه الإنسان وسط الدين ومعابده، وبدأ يعاني فشله فيهما؟ أليس المفروض أنهما حاضنتان للجمال والجلال؟! فالحقيقة إدراك وليس رؤية، وسيان إن كانت العيون مفتوحة أم مغلقة فالقلب الذي يرى وهو التوجه الذي من المفترض أن نبين له لإسلام القرن الـ22 كوننا نخسر المعركة بكل جدارة في القرن الحالي، والدين أصبح أقرب للعادات والتقاليد من كونه علاقة روحية هي جوهر فترة وجود الإنسان على الأرض وما بعد الحياة.
والمواثيق التي اخترعها البشر من أئمة وعلماء دين ومفكرين لا بد أن تخان في يوم من الأيام، وتسقط سقوطًا حرًّا مقابل مدى أهمية وجود الدين في حياة البشر في الأجيال القادمة؛ كون البناء هشًّا وقائمًا على المكافأة والعقوبة وليس الاقتناع العقلي المرتبط بالسببية، والقرآن يشمل كل ما يحتاجه البشر على مدى العصور، ولكن العصور لا تستطيع أن تشمل القرآن إلا أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيفكر أحفاد أحفادنا في ماهية الدين بصيغته الحالية، ويتساءلون كيف للدين أن لا ينتصر للجياع والمحرومين والمظلومين والمهمشين في الدنيا كما صوره لنا بقدر ما ينتصر لنشر الرسالة وتعميمها على البشر؟ فالميزان به خلل؛ فتجد حتى اللغة التي استخدمت لوصف أحكام المرأة والتعامل معها حتى في الزواج تحط من قدر المرأة بلغة العصر الآن، وهي ليست عيبًا في الدين بقدر ما هو عيب فيمن كتب بيده ما كتب وقال هو كذلك دين خذوه من بين ما اخترنا لكم إذا كنتم تريدون الخلاص في الدنيا والآخرة.
صيغة كلامي هذه متأكد أنها لن تفهم اليوم، خاصة عندما يكون المسجد أفخم بناء في الأحياء وبيوت الناس متداعية لا تحميهم من هجير الحر ولا قسوة البرد، ومئات المساجد الخالية معظم وقت اليوم بها تدفئة وآلاف البيوت التي يكون بها أحد أفراد الأسرة طول اليوم بدون تدفئة، ونقول إنه ليس هناك مشكلة في تعاملنا مع الدين اليوم، وهو الذي لا يستوعبه الملايين من شبابنا اليوم، بل هجروا الدين برُمَّته؛ فمن المذنب؟ فتريدون أن تقنعوا أنفسكم أن العبيد في زمن الجواري والمماليك كان يعجبهم تسميتهم بالعبيد وتحكُّم البشر بهم ومعاملتهم كالبهائم، وكانوا يرون أن ذلك الدين هو قمة الرحمة والعدالة والمساواة، أو يقرأ شاب أو شابه اليوم هذه الأحكام والقرار بها من قبل الفقهاء على أنها دين الإنسانية والكمال؟ فالشيوخ اليوم النجوم يتعاملون كنجوم السينما في الشهرة ويسكنون أجمل البيوت ومداخيلهم بالملايين هم من يلعنون الظلام ويتحدثون بلغة فضفاضة بعيدة عن الواقع بمثالية بعيدة عن الطريقة التي يعيشون بها حياتهم، فليس بينهم أبو ذر الغفاري، وليس بيننا بلال، وعندما نعرف أن عدد صحابة رسول الله نحو 114 ألف صحابي، ويقال لك جميعهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ونحن نعرف أنهم بشر غير معصومين من الخطأ، وحتى تقاتلوا فيما بينهم على خلافات عديدة فكيف نقتدي بذلك، ومن جهة أخرى تقول لنا "قتال المسلم لأخيه المسلم كفر" فمهما تفلسفنا واتهمنا الآخرين بالجهل لن نكون أقل جهلًا منهم إذا ما أردنا لتلك التناقضات أن تضل النور الذي سوف تقتدي به الأجيال المسلمة في المستقبل عندما تقرأ تلك الأجيال قول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93] أو يطلعون على حديث مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سِباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ). فسيعلمون يقينًا أن هناك خلطًا في الأمور تسبب فيه البشر وهرطقاتهم، والقرآن أمامنا والعقل خلفنا، فإلى أين المفر؟ نحن من خلق داعش والقاعدة ومسلسل الرعب مستمر إلى ما شاء الله ولن يتوقف، كون البيئة مؤهلة لتخريج المزيد مهما عملنا وحاولنا وأطلقنا البرامج والحملات التوعوية؛ فالجذور بها معضلات حقيقة تحتاج لجلسات علاجية مطولة وفق خطة طويلة الأمد لإحداث التغيير المنشود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة