يجب أن ننتصر في المعارك الافتراضية الفكرية وغير الفكرية ونقضي على الشعور بالاغتراب بين الشباب المسلم داخل وخارج الوطن العربي الكبير
لا يوجد شخص أو جماعة أو مدينة أو دولة في العالم خارج نطاق رادار الإرهاب، ولو نستهجن ليل نهار ونصيح بأعلى الصوت بأن ما يفعله الإرهابيون ليس له صلة بالإسلام لن يعيرنا بقية العالم أي اهتمام، وسيجدون صعوبة كبيرة في فصل ما يردده المجتمع المسلم بصورة عامة عن سماحة الإسلام وعن الهجمات البربرية التي تضرب عمق مبادئ الإنسانية وقيم الإنسان المتحضر وسلام العالم بصورة يومية، وأولها المجتمعات المسلمة .
أول خطوات العلاج هي تغيير المفاهيم واللغة المستخدمة في وصف الظاهرة ومن يقوم بالفعل الإرهابي والفكر الذي يقف خلفه، حيث يعد تصنيف من يقومون بتلك الجرائم البشعة كجهاديين أحد المؤشرات الخطيرة التي تطرقنا لها مسبقاً، وأشرنا إلى مدى خطورتها ومدى مساهمتها في توسيع الفجوة في فهم وتشريح طبيعة الإسلام المتسامح والتعامل مع الأفكار والكيانات والمنظومات الإرهابية من المهد إلى اللحد.
إن اختيار الإرهابيين لغة بعينها والتأكد من أن الإعلام والشارع يرددها وراءهم هو فن يبدعون فيه، بل يكادون أن يتفوقوا على بقية العالم في الحرب الإعلامية النفسية متنوعة الأغراض والأساليب، ويقسمون الجمهور بين أهداف ناعمة أو لينة وأخرى صلبة، ونحن نحسب أن ما يقومون به هو هجوم عشوائي غير منظم أو مبرمج.
لكن للأسف الشديد لم تتطور آليات توقع أفضل لدى الجهات المختصة في العالم، ومن ضمنهم رجال الدين وليس الجهات الأمنية والاستخبارية فقط، حيث يتم التركيز على التكنولوجيا والمراقبة والمعلومات وإهمال قوة العقل البشري المجرد في التأثير، وقوة وجود أبطال من المجتمع الديني والأمني لهم حضور جماهيري مؤثر ينقاد خلفه الجمهور ويدافع عنه في غيابه باستماتة شديدة، وهو ما نجح فيه الإرهاب بنسبة معينة.
وأتساءل أين هو دور الثقافة والمثقفين ونجوم المجتمع في شتى المجالات من برامج وطنية حكومية وشعبية تعني بإدماج العائلة المسلمة مع بقية حضارات العالم، دون فقدان الخصوصية المحلية، ويكون الانصهار مدروسا بما لا يضيع هويتنا، وفي نفس الوقت لا يتركنا غرباء على العالم أجمع، ونلهث وراء القبول العام لنا كحضارة لا يستسيغها الآخرون، وتلك الاستراتيجيات يجب أن تكون على المدى الطويل وتكون من أولويات الدول المسلمة، مثلها مثل التعليم والصحة.
اذا كان الإرهابي يبحث عن المعرفة الدينية والصفاء والنقاء الروحي والخلاص، وأسرع طريق إلى الجنة من خلال الوت، فلماذا لا نجعله يتجه نحو الحياة ويعمرها ليصل لتلك النرفانا الروحية من خلال إعطائه الأمل في غدٍ أفضل وسماع صوته قبل أن يتلقفه من يقف في الطرف الآخر وهو عراب الموت ومفاتيح الجنة الوهمية، مما يدل على وجود قصور في دراسة أفراد المجتمع وتوجههم وميولهم ومشاكلهم منذ سن مبكرة لتقصي الحقائق وجمع المعلومات عن توجهاتهم المستقبلية المحتملة، قبل أن تقع الفأس في الرأس ونعمل على علاج ما كان بالإمكان تجنبه من البداية، وإن كنا محظوظين بالقدر الكافي سنعالج 60% من الحالات بصورة تشافٍ تام من الفكر المعتقدي الضال.
يجب أن لا نجعل التدين طريقة هروب الشخص الوحيدة من ماضيه والمشاكل التي تحيط به، فيصبح التدين ملاذاً وهروباً من واقع الإنسان لواقع جديد هو غير مستعد له، ولم ينشأ على الأسس السليمة للتدين ومعرفة الدين كرسالة محبة وعلاقة خاصة مميزة بين العبد وربه، وبدلاً من ذلك يتصرف بعاطفته ومشاعره الجياشة لتحقيق الإبدال النفسي لمشاعره التي يرغب في التخلص منها بأي طريقة كانت، فلما لا والإرهاب استغل تلك المشاعر وجندها لصالحه في ظل غياب البدائل التي يجب أن لا تكون حلا فرديا لكل دولة إسلامية أو كل مسلم، بل مجهود جماعي يشارك فيه الجميع للوصول لحلول مستدامة تجعل الفرد يهرب نحو المجتمع لا أن يصبح خارجا عليه ويعتبره كافرا، فإيجاد آليات حلول شعوبية أحد الحلول .
في ضوء تشعب الحاضنات السياسية والدينية للعنف الإيديولوجي، وبعد أن فشلت آلة الدعاية لدولة الخلافة الإسلامية عقلانياً وتصعيدها إعلامياً فقط، أصبحت التنظيمات في وضع يائس ومستعدة لفعل أي شيء لجعل المفهوم حياً من جديد في عقول العالم وخاصة الشباب المسلم المتحمس للدفاع عن الإسلام، والذي يؤمن بأن الإسلام في حرب مع الغرب، وليس بالضرورة أن يكونوا متطرفين أو إرهابيين، ومجرد نجاح زرع هذه الفكرة في نسبة غير صغيرة من عقول الأجيال الشابة في الأمة الإسلامية هو مفتاح السر في استمرار الإرهاب والتطرف، ونحن أمة لا تجيد بيع الأمل، ونطالب بالمواطنة قبل أن يشعر المواطن أنه ينتمي لذلك الوطن، وهو ما تريده الجماعات المتطرفة، التي تسخر ذلك لتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى ترويجها لفكرة أن الدين مستهدف والجهات الحكومية في الدول ضد الدين.
ظاهرة «الذئاب المنفردة» في غاية التعقيد وجعل ما يطلقون عليه «الجهاد الفردي» حجر زاوية لمفهوم «الجهاد الحديث» لديهم، وفي المقابل نحن نتحدث عن الفهم الصحيح للدين وبأنهم جاهلون في أمور الشريعة ولا يفهمون القرآن الفهم الصحيح، وكل ذلك صحيح ونحن على حق فيه، ولكنه غير مجدٍ كخطة مواجهة للقضاء على الإرهاب، كون الشخص الذي يتجه للإرهاب في الغالب غير مقتنع بالطرح العام في العالم الإسلامي، ويشعر بوجود فجوة، ولذلك يجب علينا أن نقوم بالأبحاث التطبيقية التي تضع بعين الاعتبار أننا لدينا فجوات كثيرة والعديد من المفاهيم التي لا تناسب العصر أو غير مقنعة، ونقوم بمراجعات مطولة شريطة ألا يكون من يعتقد أن مفاهيمه غير قابلة للنقد، كون المركز الفلاني أو التوجه المذهبي الفلاني هو الصحيح فقط والذي لا يوجد شك في صحته، وهذه أكبر مصيبة وليست مشكلة فقط، لأنها تجعل الإرهاب تجارة رائجة لأعدائنا الداخليين والخارجيين.
والسؤال هنا ليس ما الأسباب المؤدية لظاهرة الإرهاب؟ بل ما البيئة والظروف الأكثر ملاءمة لازدهار الإرهاب؟ وعليه يجب أن ننتصر في المعارك الافتراضية الفكرية وغير الفكرية ونقضي على الشعور بالاغتراب بين الشباب المسلم داخل وخارج الوطن العربي الكبير، ولفعل ذلك نحتاج للإبداع والابتكار حتى في المجال الديني.
شخصياً أكاد أجزم بأن العقول التقليدية لن توصلنا إلى أي مكان، وهي أحد أهم أسباب نكبتنا في معالجة الإرهاب بمنهجية وموضوعية خالصة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة