تعرَّف على قصة "الحراطين" في موريتانيا.. وهل انتهت مشكلتهم؟
مع قرب انقضاء فترة حكم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، عاد الحديث عن العبودية موازاة مع تهيئة البلاد أرضية قانونية لمكافحة الرق.
أغضب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الثلاثاء الماضي، المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، عندما نفى أي وجود للعبودية في موريتانيا، وإشارته إلى أن ما يوجد حتى الآن هو مجرد مخلفات للرق تعكف حكومته على محوها.
قضية الرق شكَّلت ساحة تجاذب بين الحكم والمعارضة في الأسابيع الأخيرة، على غرار قضايا أخرى، خاصة مع قرب انقضاء فترة الولاية الرئاسية، واتهام المعارضة للرئاسة بأنها لم تفعل الكثير طوال فترة مأموريتها لإنهاء الظاهرة في البلاد.
لكن نفي الرئيس الموريتاني وجود عبودية في البلاد، تزامن مع تنصيب وزير العدل في حكومته إبراهيم ولد داداه، نهاية أبريل/نيسان الماضي، ثالث محكمة جنائية إقليمية مختصة في جرائم العبودية وممارسات الاسترقاق.
وقد نصبت المحكمة الجنائية الأولى، في ولاية نواكشوط الجنوبية وتتبع لها ولايات لبراكنة، وكوركل، والترارزة، وتكانت، وأنشيري، بينما اختيرت نواديبو لتكون مقرًّا للمحكمة الثانية، وتتبع لها ولايات آدرار، وداخلت أنواديبو، وتيرس الزمور، إضافة إلى محكمة جنائية في الأقاليم الشرقية مقرها مدينة النعمة، وتتبع لها ولايات الحوض الشرقي والغربي، والعصابة وكيديماغة.
تأتي هذه التطورات بعد أيام على مسيرة ضخمة، في العاصمة نواكشوط، نظمها في 30 أبريل/نيسان المنصرم، من يعرفون محليًّا باسم "الحراطين" وهم أحفاد العبيد السابقين، الذين يطالبون اليوم برد الاعتبار وإنهاء عقود من الإقصاء والظلم الممنهج ضدهم.
وتتهم منظمات حقوقية دولية الحكومة الموريتانية بالتراخي في التصدي لحالات الاسترقاق الجلية في شرق وجنوب موريتانيا، رغم أن الرق جرى حظره رسميًّا منذ عام 1981، وتعزز ذلك الحظر في أغسطس/آب 2015، حينما تبنَّت موريتانيا قانونًا يعتبر الرق جريمة ضد الإنسانية تصل عقوبتها إلى السجن 20 عامًا.
مع ذلك، تقول منظمات غير حكومية، إن ظاهرة العبودية مستمرة، ويتجلى ذلك، برأيها، في براري الصحراء حيث لا تزال ممارسات العبودية مثل منح أحفاد العبيد السابقين قسمًا من محاصيلهم الزراعية مجانًا، لعائلات أسيادهم السابقين.
ويطالب "الحراطون" وهي كلمة ينسبها بعض المؤرخين إلى مرادف "الحراثون"، للدلالة على العبيد الذين اشتغلوا قبل قرون في الزراعة والحرث والبدر، يطالب هؤلاء اليوم بالمواطنة الكاملة، ويحظون في مسعاهم بدعم أحزاب معارضة تقدم بعض قادتها مسيرتهم الاحتجاجية الأخيرة في نواكشوط ومدن موريتانية أخرى.
وقد نجحت هذه الفئة التي يشار إليها أيضًا في موريتانيا على أنها واجهة لأحفاد العبيد القدامى، في وضع ميثاق حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أبريل/نيسان عام 2013.
الميثاق عبارة عن عريضة مطلبية تحليلية مطولة، تستقرئ تاريخ الحراطين في موريتانيا، ويؤكد في ديباجته "استمرار إقصاء هذه الشريحة" على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن من الاستقلال، ويرى الميثاق أن "موريتانيا (الدولة المتعددة الأعراق والثقافات بامتياز)، لا تزال تفتقر لعقد اجتماعي جاد ومؤسس على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة".
ويعدد الميثاق في جوانب منه، مظاهر إقصاء أبناء "الحراطين" من مؤسسات الدولة، ويدرج مثالًا على ذلك "الغياب الملحوظ للحراطين من أسلاك التوظيف بالقطاعين العمومي وشبه العمومي"، ويقدم إحصاءات ومقارنات لواقع هذه الفئة في أجهزة الدولة، فأوضح أنه "على مستوى غرفتي البرلمان الحالي لا يوجد سوى أقل من 10 برلمانيين حراطين من أصل 151 منتخبًا، فيما عُينت وزيرتان فقط من الحراطين في الحكومات الموريتانية المتعاقبة خلال الـ30 عامًا الأخيرة".
واستنادًا إلى الميثاق فإن، "الحراطين لم يحصلوا سوى على والٍ واحد من أصل 13 واليًّا، وما بين 1 إلى 2 رئيس بعثة دبلوماسية في الخارج من أصل 35، وما بين 3 إلى 4 مديرين عامين لمؤسسات عمومية من أصل 140".
واقع ترى هذه الفئة أنه يعكس حجم الإقصاء، ما يقتضي برأيها "ضروة إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاســم الحقيقي للسلطة والثروة بين جميع أبناء البلد"، كسبيل وحيد للخلاص من هذا الحيف المستديم الناتج عن تاريخ مرير ممتد على مدى قرون.