تساؤلات يثيرها هجوم "حلوان" بمصر
من بينها الجهة المنفذة للهجوم، واختيار التوقيت، وملابسات صحبت العملية، وأخيرًا ما إذا كانت ستفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف
قد يعتقد أنه من السهل معرفة الجهة التي تقف وراء الهجوم الإرهابي، الذي شهدته منطقة حلوان جنوب العاصمة المصرية، فجر اليوم الأحد، لكن الأمر تزداد صعوبته مع إعلان جهتين مسؤوليتهما عن الحادث، وهما حركة متطرفة تدعى "المقاومة الشعبية"، وتنظيم "داعش" الإرهابي.
ويعيد هذا الهجوم للأذهان أعمال العنف، التي كانت قد تراجعت، خلال الأشهر القليلة الماضية، في مصر، سواء على صعيد الاحتجاجات، من جانب جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، أو حتى على مستوى حدة العنف في العمليات الإرهابية، التي تستهدف عناصر شرطية في القاهرة وعدد من المحافظات المصرية.
وأثار هذا الهجوم تساؤلات من بينها الجهة المنفذة للهجوم، واختيار التوقيت، إلى جانب الملابسات التي صحبت العملية الإرهابية، وأخيرًا ما إذا كانت حادثا استثنائيا أم أنها تفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف.
ورغم أن الحادث هو الثاني من نوعه بعد أربعة أشهر من هجوم آخر أسفر عن مقتل 10 أشخاص، بينهم 7 شرطيين، في المريوطية بحي الهرم، غرب العاصمة المصرية، لكن ملابساته، تشير إلى تطور نوعي في تنفيذ العمليات الإرهابية، من خلال عنصرين، الأول ظهور "علم داعش" خارج سيناء، والثاني معرفة المنفذين لخط سير شرطيين يرتدون ملابس مدنية، أثناء تفقد الحالة الأمنية.
ويعد ظهور علم "داعش"، في هجوم اليوم، تطورًا نوعيًا لتواجد التنظيم في قلب العاصمة القاهرة، رغم نفي خبراء أمنيين وجود التنظيم داخل مصر من الأساس، مفسرين العمليات الإرهابية بأن منفذيها يتبنون نفس الأفكار التكفيرية، وليسوا منتمين للتنظيم، الذي يبسط نفوذه في كل من سوريا والعراق، ولا يهتم بالأحداث الفردية، على حد رؤيتهم.
ونقلت وسائل إعلام محلية مصرية عن شهود عيان قولهم إن الشاحنة الصغيرة التي كان يستقلها الجناة كانت تحمل علم تنظيم داعش الإرهابي.
وفي السابق، أعلن تنظيم داعش، عن تنفيذه 10 عمليات إرهابية بارزة، خلال 3 أعوام، بواقع 3 عمليات في عام 2014 و2015، فيما نفذت عمليتان في 2013، وعمليتان في 2016 إحداهما هجوم اليوم، الذي أسفر عن مقتل 8 شرطيين، بينهم ضابط.
العنصر الثاني، المتعلق بمعرفة المنفذين لخط سير الشرطيين، ظهر جليًا في حديث بيان الداخلية بشأن الواقعة، وهي أن المنفذين كانوا يستقلون شاحنة صغيرة واعترضوا حافلة رجال الشرطة، الذين كانوا يرتدون الزي المدني، ويتفقدون الحالة الأمنية بالمنطقة، وهو ما يثير تساؤلات بشأن الاختراق الأمني؟ ومعرفة المنفذين بأمر تلك الدورية غير المعلنة، وذلك بخلاف العمليات السابقة التي تتعلق بالهجوم على مؤسسات أو كمائن.
وقالت حركة المقاومة الشعبية، إحدى الجهتين التي أعلنت مسؤوليتها عن هجوم اليوم، إنه جاء بمناسبة مرور 1000 يوم على فض اعتصام رابعة، وهو ما يعني مؤشرًا واضحًا على أن الجماعات الراديكالية ما زالت ترى في الثأر حجة لتنفيذ عملياتها.
ورغم عدم دعوة جماعة الإخوان الإرهابية، بشكل معلن لهذه العمليات، لكن الهجوم جاء متزامنًا مع أحداث سياسية وقضائية أخرى بخلاف ذكرى رابعة، حيث ربط 4 خبراء أمنيين، بين الهجوم وبين قرار المحكمة إحالة أوراق 6 متهمين إلى مفتي البلاد، لاستطلاع رأيه في إعدامهم، في القضية المعروفة إعلاميًا " التخابر مع قطر"، لافتين في الوقت نفسه إلى أن الهجوم ليس ردًا ولكنه اختيار للتوقيت حتى يظهر كأنه للثأر.
ويرى مراقبون أمنيون، أن المنتمين للتنظيمات الإرهابية، يتحينون الفرص، لحمل السلاح وتنفيذ عملياتهم، مدعين أن ذلك للثأر أو للرد على الأجهزة الأمنية، لاسيما أن هذه البؤر الإرهابية لديها الإمكانية من سلاح وتدريب، وفقط تقوم بالتنفيذ بالتزامن مع أحداث جارية أو مناسبات لأحداث ماضية.
أحد هؤلاء الخبراء، وهو العميد المتقاعد بالجيش المصري صفوت الزيات، قال لبوابة العين الإخبارية إن هجوم اليوم كان متوقعًا خلال هذه الفترة وإن تأخر، فهناك مؤشرات توحي بأن الإرهابين بصدد استغلال الأزمات السياسية الراهنة، واختيار توقيت يمكن الإشارة فيه بأصابع الاتهام للإخوان، وعليه يتمكن التنظيم من تعميق الانقسام السياسي من جهة، وتوسيع وعاء تجنيده لإرهابيين جدد.
ورغم أن الخبراء الأربعة لم يتفقوا على الجهة المنفذة للعملية، لكنهم استبعدوا أن تقف داعش وراء الهجوم، معتبرين أن هناك خلايا تشكل نمطا جديدا من الإرهابيين، تنتمي لنفس أفكار داعش، وتتفق معها ضمنيًا في نوعية العمليات، والجهة المستهدفة.
اللواء أسامة الصغير مساعد وزير الداخلية الأسبق قال لبوابة العين إن "هناك تكتلات للجماعات المتشددة بحلوان جنوب القاهرة، إلا أجهزة الأمن توجه العديد من الضربات لتلك الجماعات التي يختلف مسمياتها مثل " تنظيم داعش، كتائب حلوان، المقاومة الشعبية".
وأوضح الصغير أن الهدف من تغير المسميات هو تضليل رجال الأمن وإيهامهم بوجود تنظيمات كثيرة، ولكن الأمن على علم بذلك، لكني لا أعتقد بوجود ما يسمى بتنظيم داعش مصر، فما يجرى الآن أشبه بحرب عصابات مسلحة".
وأشار المسؤول الأمني السابق إلى أن "تلك العصابات تعتمد في عمليات الإرهابية على استقطاب عناصر جديدة لتنفيذ مخططاتهم حتى لا يكونوا غير مسجلين لدى الأجهزة الأمنية وبالتالي يصعب رصدهم وضبطهم".
لكن اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق، أوضح أن هناك خطة أمنية متبعة، لضبط العناصر الجديدة، حيث يتم تشكيل فرق بحث مكونة من ضباط الأمن الوطني، والأمن العام، والبحث الجنائي، ويتم وضع خطة عمل، يتحدد على أساسها خطوط السير ومواصفات السيارة المستخدمة، وخط سير هروبها، بالإضافة للتحريات الخاصة، وتعقب أوكار الجناة.
وتبدو الخطة الأمنية بسيطة، في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لكن الخبراء الأمنيين يقولون إن الأجهزة الأمنية تتعامل مع منفذي العمليات الإرهابية، في إطار التعامل مع ذئاب منفردة وليس باعتباره تنظيما إرهابيا خطيرا مثل داعش، فيرى اللواء نبيل فؤاد الخبير العسكري ومساعد وزير الداخلية الأسبق، أن "داعش ليس لها وجود رئيسي في مصر، حيث إن أسلوب عملها لا يعتمد على عمليات فردية، مثلما تفعل هذه البؤر الإرهابية"، على حد قوله.
ويضيف اللواء نبيل: "داعش أسلوب عمله ليس عمليات إرهابية في كمين أو تتبع أفراد أمنيين، وفلسفته تختلف تمامًا، فهو يبحث عن إنشاء دولة، والاستيلاء على أراض مثلما يحدث في العراق وسوريا".
إبراهيم الزعفراني، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، يقول لبوابة العين "صحيح هذا ليس فكر داعش، لكنه فكر مجموعة من أصحاب الأفكار المتشابهة معه، والخطورة تكمن في أن يتجه هؤلاء المتعاطفون مع الإخوان إلى إعلان انتمائهم بشكل واضح لداعش".
وأضاف الزعفراني: "هناك مجموعات جديدة تتبنى العنف، عددها قليل، لكن ما تحمله من أفكار يشكل خطورة، بالطبع يصب في مصلحة داعش، لأنه حتى وإن لم تعلن انتماءها صراحة مثل المقاومة الشعبية فإن عملها بهذه الصورة، يعيد مجددًا للساحة الكتائب الإرهابية، والتي تنتظر أي أحداث لاستغلالها والقيام بموجة جديدة من العنف".
العميد صفوت الزيات، قال إن الموجة الجديدة من العنف، تعتمد على أمرين، الأول تشكيل خلايا إرهابية جديدة، تقوم بتنفيذ خطط داعش دون الانتماء الصريح لها، والثاني يتعلق بتقرب القائمين بمثل هذه العمليات من التنظيم وإعلانهم بشكل واضح، الانتماء لهذه التنظيمات.
وأضاف الزيات: "وقتها ستواجه الدولة مجموعات إرهابية منظمة الأهداف، وهنا سكون الخطورة، حيث سيزيد الوعاء التجنيدي لداعش عبر هذه الخلايا والمجموعات، ويصبح العنف متوقعًا في أي لحظة، لكنه سيكون عنفًا نوعيًا، من حيث المكان أو العناصر المستهدفة".
قاعدة احتياطية، لداعش، هكذا فضل اللواء نبيل فؤاد أن يسميها، مستبعدًا إعلان تلك الخلايا الانتماء الصريح لداعش، وإن كانت تفعل من خلال عملياتها الإرهابية، لافتًا إلى أن التقارب بين الجماعات الإرهابية والتنظيم يزيد يومًا بعد يوم، وهو ما توضحه نوعية العمليات، مثل رفع علم داعش اليوم، سواء كان المنفذ منتميا للتنظيم، أو يسير على خطاه.
aXA6IDMuMTQ1LjUwLjI1NCA= جزيرة ام اند امز