محمد رفعت في ذكراه .. قيثارة السماء وسيد المقرئين
في مثل هذا اليوم 9 مايو/أيار قبل 134 عامًا ولد الشيخ محمد رفعت، الملقب بـ"قيثارة السماء"، و"سيد المقرئين" في حي المغربلين بالقاهرة.
في مثل هذا اليوم 9 مايو/أيار قبل 134 عامًا ولد الشيخ محمد رفعت، الملقب بـ"قيثارة السماء"، و"سيد المقرئين" في حي المغربلين بالقاهرة، وفي اليوم نفسه قبل 66 عامًا رحل عن عالمنا.
الشيخ رفعت، الملقب أيضًا بـ"المعجزة"، أول من تلا القرآن في الإذاعة الحكومية والتي تعاقدت معه نظير 3 جنيهات في الشهر، ولما كان مترددًا استفتي قبل قبوله هذا العرض مشايخ الأزهر فأفتوه بمشروعيتها وجوازها، واعتاد المصلون في درب الجماميز في بداية الأربعينيات سماع صوته في مسجد فاضل باشا.
ارتبط صوت الشيخ محمد رفعت لدى المستمعين في العالم العربي بتجليات وروحانيات شهر رمضان الكريم، حيث ظل صوته يضفي على شهر رمضان مذاقًا خاصًا، خاصة قبيل وقت الإفطار ووقت السحور.
قصة حياته
كان الشيخ يتمتع ببصره ويقال أن عينيه كانتا جميلتين وكانت سيدات الحي الشعبي يتحدثن عنها حتى أصيب بمرض نادر أدى لفقدان بصره وهو في عامه الثاني، وكان والده ضابط شرطة فوهبه لخدمة القرآن، وألحقه بكتاب مسجد فاضل، وفيه أتم حفظ القرآن، وفي سن الخامسة عشرة عين قارئًا يوم الجمعة وذاع صيته، فكان المسجد يضيق بالمصلين، وكانت تلاوته كأنما هي صوت هابط من السماء وصاعد إليها في ذات الوقت، وكان يدخل المصلين في حالة من الخشوع جعلته يستحق لقب «قيثارة السماء» عن جدارة.
سر تميزه
كان الشيخ محمد رفعت من أول من أقام مدرسة للتجويد الفرقاني في مصر، فكما قيل "القرآن نزل بالحجاز وقرأ بمصر"، وكانت طريقته تتسم بالتجسيد للمعاني الظاهرة القرآن الكريم وإمكانية تجلي بواطن الأمور للمتفهم المستمع بكل جوارحه لا بأذنه فقط، والتأثر والتأثير في الغير بالرساله التي نزلت على النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فقد كان يبدأ بالإستعاذه بالله من الشيطان الرجيم والبسمله والترتيل بهدوء وتحقيق، وبعدها يعلو صوته فهو خفيض في بدايته ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبًا "عاليًا" لكن رشيدًا يمس القلب ويتملكه، ويسرد الآيات بسلاسة وحرص منه واستشعار لآي الذكر الحكيم.
كان جل اهتمامه بمخارج الحروف وكان يعطي كل حرف حقه ليس كي لا يختلف المعنى، بل لكي يصل المعنى الحقيقي إلى صدور الناس، وكان صوته حقًّا جميلًا رخيمًا رنانًا، وكان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وبغير تكلف وكان صوته يحوي مقامات موسيقية مختلفة، وكان يستطيع أن ينتقل من مقام إلى مقام دون أن يشعرك بالاختلاف.
مواقفه السياسية
تجنبًا للتقرب من أهل السياسة ولا الحديث فيها، رفض الشيخ محمد رفعت طلب الملك فاروق في أن يقوم بإحياء ذكرى رحيل والده الملك فؤاد في احتفالية خاصة بقصر عابدين، يحضرها رموز السياسة من مصر وخارجها، مفضلًا أن يحيى ذكرى الملك فؤاد على مستوى أسرته، كذلك رفض الشيخ رفعت تكفل الملك فاروق بمصاريف علاجه بعد إصابته بسرطان الحنجرة، معتبرها إهانة، وقال وقتها للملك: "إن قارئ القرآن لا يهان" حتى وافته المنية.
قالوا عنه:
الموسيقار عبد الوهاب وصوت رفعت
روى الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه فى يوم كان الشيخ محمد رفعت معه فى قصر أحمد بك شوقي فطلبوا منه أن يقرأ القرآن في حديقة القصر وهو جالس تحت شجره، فلاحظ الموسيقار محمد عبد الوهاب أن الطيور التي في الحديقة وقفت أعلى الشجرة التي يقرأ تحتها القرآن الكريم دون أن تصدر صوت، فقال سكتت الطيور كى يشدو الكروان الأكبر يقصد الشيخ محمد رفعت.
ووصف الموسيقار محمد عبد الوهاب صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكي يأتي من السماء لأول مرة.
محمد رفعت في نظر الكتاب
قال عنه الأديب محمد السيد المويلحي في مجلة الرسالة: "سيد قراء هذا الزمن، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، إنه يزجي إلى نفوسنا أرفع أنواعها وأقدس وأزهى ألوانها، وإنه بصوته فقط يأسرنا ويسحرنا دون أن يحتاج إلى أوركسترا".
وقال عنه أنيس منصور، بعد رحيله: "ولا يزال المرحوم الشيخ رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال وجلال صوت الشيخ رفعت أنه فريد في معدنه، وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها، ثم إنه ليس كمثل أي صوت آخر".
وقال الكاتب محمود السعدني عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت: "كان ممتلئًا تصديقًا وإيمانًا بما يقرأ". أما علي خليل "شيخ الإذاعيين" فقال عنه: "إنه كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد، كان كيانًا ملائكيًّا، ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق، وكأنه ليس من أهل الأرض". ونعته الإذاعة المصرية عند وفاته إلى المستمعين بقولها: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام". أما الإذاعة السورية فجاء النعي على لسان المفتي حيث قال: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام"!!.
كما تحدث المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين كثيرًا عن حبه لسماع صوت الشيخ محمد رفعت، وأنه يبعث على السكينة ويساعد على التأمل.