"فيضان ترامب" يُغرق الإعلام ويستفز المرشحين
![](https://cdn.al-ain.com/lg/archive/news-image/poli94575530i_259336.jpg)
ترامب أصبح ضيفًا دائمًا على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد والمجلات الأمريكي ورغم الدعاية السلبية نجح في مواصلة الصعود، كيف حدث ذلك؟
يمثل المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المثير للجدل، دونالد ترامب، ظاهرة فريدة من نوعها، فبرغم من خبرته السياسية الضحلة، إلا أنه استطاع أن يحقق نجاحات انتخابية متتالية، عبر الظهور المكثف في وسائل الإعلام الأمريكية بمختلف أنواعها، حتى أنه حقق تغطية إعلامية مجانية بما يتخطى 2 مليار دولار، متجاوزًا بذلك أي منافس انتخابي آخر.
واجتذب ترامب اهتمام وسائل الإعلام بتصريحاته الملفتة والصادمة في كثير من الأحيان، مثل دعوته لمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة والتحريض على التمييز ضد المهاجرين المكسيكيين وقتل عائلات "الإرهابيين"، وإلغاء مناطق حظر السلاح في المدارس والتلويح باستخدام السلاح النووي، وغيرها من التصريحات النارية، مما دفع الصحف والقنوات التليفزيونية إلى التهافت على استضافته أو تغطية كامل اجتماعاته وجولاته الانتخابية أملاً في تحقيق نسب مشاهدة وقراءة عالية.
وتشير تقديرات شركة "ميديا كونت" للتحليلات وأبحاث السوق، التي رصدت التغطية الإعلامية لكل مرشح في الانتخابات الأمريكية وأحصت قيمة الإعلانات بالدولار، إلى أن التغطية الإعلامية لترامب حصدت 2.8 مليار دولار، ليحقق المرشح الجمهوري بذلك رقمًا قياسيًا في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
وفي المقابل، قٌدرّت قيمة التغطية الإعلامية لمنافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بحوالي 1.2 مليار دولار، يليها المرشح الجمهوري المنسحب تيد كروز بـ770.7 مليون دولار، بينما جاء المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز في المرتبة الرابعة بتغطية إعلامية حرة بقيمة 658 مليون دولار، وذلك حتى نهاية أبريل/ نيسان الماضي، بحسب مجلة "فارايتي".
ورغم أن ترامب، لم ينفق سوى 10 ملايين دولار على الإعلانات المدفوعة، وهو رقم متواضع مقارنة بمنافسيه، حيث أنفقت هيلاري على سبيل المثال نحو 28 مليون دولار على هذا البند، إلا أنه حقق حضورًا إعلاميًا مجانيًا غير مسبوق، مكّنه من تفوق مناوراته على حملات خصومة الانتخابية التقليدية.
وفي حين تتعاطى الكثير من التقارير الإعلامية الأمريكية مع ترامب على أنه شخصية غريبة الأطوار ومثيرة للجدل، وتصوره ككابوس يهدد الولايات المتحدة والعالم أجمع، استطاع المرشح الجمهوري أن يحقق المزيد من النجاحات حتى أنه أصبح عمليًا المرشح الجمهوري الأوحد للانتخابات الرئاسية المقررة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويبدو أن لتلك التغطية الإعلامية السلبية رد فعل عكسي لدى أنصار ترامب، إذ تزيدهم ولاءً وتأييدًا له، والسبب في ذلك، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، هو أن داعمي ترامب لا يثقون في الإعلام، وينصرفون عن متابعة التقارير التي تقلل من شأن مرشحهم، كما أن بعض الخبراء يرون أن أنصار ترامب يشعرون بالإهانة؛ لأن التغطية الإعلامية تصورهم كما لو كانوا أغبياء لأنهم يؤيدون ترامب، فيما تركز بعض التقارير على المستوى التعليمي المنخفض للكثير منهم، لذا فإنهم يرفضون تلقائيًا أي معلومات من وسائل الإعلام تقلل من احترامهم له، ويزدادون تأييدًا له.
ومع حصولها على تغطية إعلامية غير متكافئة، شنت هيلاري كلينتون هجومًا على الإعلام، خلال جولة انتخابية في سان فرانسيسكو الجمعة الماضية، ودعت الصحف والقنوات التليفزيونية، إلى طرح أسئلة واضحة على ترامب بشأن خططه المستقبلية واقتراحاته حول العديد من القضايا، زاعمة أنه يحمل جملة من "الخطط والوعود الفارغة"، بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حث الأسبوع الماضي أيضًا وسائل الإعلام والجمهور الأمريكي على مراجعة "السجل الطويل" للمرشح الجمهوري الذي يسعى لخلافته، وألا ينشغلوا "بالجانب المسرحي والاستعراضي" لحملته الانتخابية، وأبدى أوباما انتقادًا ضمنيًا للإعلام بقوله إنه إذا أدى الصحفيون واجبهم في تثقيف الجمهور "فأنا واثق بأن ديمقراطيتنا ستنجح".
وحذر الرئيس أوباما من أن الوصول للبيت الأبيض "ليس تسلية.. إنه ليس أحد برامج تلفزيون الواقع"، في إشارة ساخرة لمشاركة ترامب ذات مرة في برنامج لتلفزيون الواقع.
ويبدو أن ترامب استفاد من عدة عوامل لتحقيق ظهور إعلامي لافت، وبالتالي جني المزيد من المؤيدين، مثل استثمار تزايد معدلات والاستياء الشعبي والإحباط تجاه النخبة السياسية الحاكمة لدى قطاعات واسعة، لا سيما مع فشل الإدارة الأمريكية في التعامل مع الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، وتلاشي امتيازات الطبقات الوسطى، فضلاً عن تنامي المخاوف من الإرهاب الذي يصور ترامب نفسه على أنه يقدم له حلولًا جذرية، مثل منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، هذا إلى جانب دعم عدد من رموز المشهد الإعلامي المحافظ لترامب، لعدائهم المتأصل للمهاجرين والأقليات على وجه الخصوص، فهل ينجح ترامب في استغلال الآلة الإعلامية لصالحه "حتى النفس الأخير" ويعبر من خلالها نحو البيت الأبيض؟