عانى الوطن العربى محنة اللجوء فى تاريخه المعاصر منذ نشأة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين فى 1948
عانى الوطن العربى محنة اللجوء فى تاريخه المعاصر منذ نشأة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين فى 1948 ، وعلى الرغم من أن هذه المحنة تبدو أخطر الحلقات فى هذا الصدد بحكم ارتباطها بمشروع استيطانى إحلالى اقتلع شعباً من جذوره.
إلا أن المحنة الراهنة تتفرد بأنها الأكبر حجما والأوسع نطاقا ، فقد اقتصرت محنة فلسطين عليها ولم يصل عدد اللاجئين بعد اكتمال المؤامرة إلى مليون لاجئ بأرقام وكالة الغوث الدولية فى عام 1950
أما الآن فنحن نتحدث عن لاجئين من ستة بلدان عربية على الأقل ، وباستثناء الحالة الفلسطينية والعراقية بعد الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 فإن باقى مصادر اللجوء قد ترتبت على صراعات داخلية استفحلت عقب ما عُرف بالربيع العربى
ونظرا لأن هذه الصراعات مازالت قائمة لم تجد طريقها للتسوية بعد، بل إن احتمالات تصعيدها تبقى واردة فإن علينا أن نتوقع أن المحنة باقية معنا لسنوات قد تطول
ومن هنا الأهمية الاستثنائية للمؤتمر الذى عقدته منظمة المرأة العربية فى القاهرة أيام 3-5 مايو بعنوان «قضايا اللاجئات والنازحات فى المنطقة العربية :
الواقع والمستقبل» وقد تبنت المنظمة فى عقد هذا المؤتمر نهجاً شاملاً فجمعت بين إجراء دراسة ميدانية رصينة عن أوضاع اللاجئات والنازحات فى عدد من البلدان العربية وكذلك إجراء دراسات أكاديمية فى الجوانب المختلفة للمشكلة واستضافت مسئولين تنفيذيين وصولاً إلى المستوى الوزارى وخبراء مرموقين وناشطين من منظمات المجتمع المدنى ذات الصلة وكان من الصعوبة بمكان أن تجد بلدا عربيا غير ممثل فى المؤتمر بشكل أو بآخر من الفئات السابقة ، بل إن المؤتمر استضاف لاجئات سوريات فى القاهرة فكانت مشاركتهن الفاعلة فى المؤتمر شهادة لهن ولمصر فى الوقت نفسه ، وكم كان جميلاً من السفير جمال بيومى الذى رأس إحدى جلسات المؤتمر أن يقول لإحداهن عندما كانت تتحدث عن بعض مشكلاتها إنه مازال يحتفظ بجواز سفره الصادر عن «الجمهورية العربية المتحدة» وأنها بموجب هذا الجواز مواطنة فى بلدها ، كما حرص منظمو المؤتمر على إشراك المنظمات ذات الصلة عربيا كجامعة الدول العربية ودوليا كمنظمة الأمم المتحدة فى أعمال المؤتمر .
دارت فى المؤتمر مناقشات شاملة وطرحت فيه اقتراحات خلاقة لا يُمكن لأى مهتم بهذه القضية التى تمس أمن الإنسان العربى وكرامته وبصفة خاصة المرأة العربية التى أجمع الكل على أنها الضحية الرئيسية للمحنة والأساس الصلب فى مواجهتها فى الوقت نفسه إلا أن يأخذ فى اعتباره هذه المناقشات وتلك الرؤى
وكما اتصف نهج المؤتمر بالشمول فإن توصياته قد اتسمت بالصفة ذاتها بما فى ذلك طابعها العملى ، والتوصية الأهم من وجهة نظرى تتعلق بضرورة مواصلة الدراسة الميدانية للمشكلة لما ثبت من جدواها الفائقة فى تحقيق الهدف من المؤتمر
كما يلفت النظر النهج التنموى الذى دعا إليه المؤتمر فى التعامل مع قضية اللاجئات فليست المسألة مجرد جهود للإغاثة تفقد فاعليتها بنضوب موارد التمويل وإنما تأسيس قدراتهن إلى أن يحين أوان عودتهن ، ولا تقل عن ذلك أهمية دعوة المؤتمر لكسر الحاجز النفسى بين اللاجئات والمجتمعات المضيفة لهن وإشراكهن فى عملية صنع القرارات المرتبطة بهن
وامتدت توصيات المؤتمر إلى آفاق أشمل بالدعوة إلى تطوير قدرات المنظومة العربية فى كل المجالات التى ترتبط بالتعامل مع المحنة الراهنة سواء فى مجال الإغاثة أو مراقبة وقف إطلاق النار فى الصراعات المحتدمة عندما يتم التوصل إليه وكذلك مراقبة الانتخابات وحفظ السلام بعد التوصل إلى التسويات السياسية
وكذلك بتأكيد الحرص على رفع توصيات المؤتمر إلى القمة العالمية للعمل الإنسانى التى تُعقد فى هذا الشهر والقمة الأممية حول اللاجئين فى سبتمبر من هذا العام، وبعيداً عن التوصيات بالغة الأهمية للمؤتمر كانت لفتة رائعة أن يُنظم على هامشه معرض لمنتجات اللاجئات السوريات فى مصر ليكون خير شاهد على صمودهن وأكرم وسيلة لدعمهن فى مواجهة المحنة
والحق أن الجدوى الأولى من المؤتمر أنه جعلنا نعيش محنة اللاجئين سواء من خلال الدراسة الميدانية أو فيلم «حلم العودة» الذى أعدته المنظمة وعرض فى سياق المؤتمر فنقل إلى قلوبنا الأبعاد الحقيقية للمحنة
ولا يمكن للمرء أن ينسى تلك الوجوه الجميلة البريئة للأطفال السوريين أو تغادر أذنيه آهات حنينهم إلى الوطن، ولقد انهارت مقاومتى أمام ذلك الطفل الصغير الذى نطق لسانه بأسمى مشاعر الحب لوطنه : «باحب سوريا كتيييير ... كتير» وإن هدأت كلماته مخاوفى من أثر اللجوء على الهوية ، ولم يكن هذا الطفل وحده فى مشاعر الحنين للوطن ولا كانت الأمهات السوريات الصامدات واللاتى رسمت وجوههن ووجوه أطفالهن لوحة رائعة من القهر والصمود والكرامة ، فسلاماً على سوريا وشعبها وعلى كل لاجئ دفع بغير حق ثمن الاستبداد والإرهاب والمصالح الأنانية وسحقا للسياسة عندما تصل إلى هذا الحد من الوحشية أيا كانت المبررات ، وتحية تقدير واحترام للسفيرة مرفت التلاوى المديرة القديرة لمنظمة المرأة العربية وفريقها الرائع .
نقلا عن جريدة "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة